سورة إبراهيم
  دعوتك واتباع رسلك. أو أريد باليوم: يوم هلاكهم بالعذاب العاجل، أو يوم موتهم معذبين بشدّة السكرات ولقاء الملائكة بلا بشرى، وأنهم يسألون يومئذ أن يؤخرهم ربهم إلى أجل قريب، كقوله {لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ}. {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ} على إرادة القول، وفيه وجهان: أن يقولوا ذلك بطرا وأشرا، ولما استولى عليهم من عادة الجهل والسفه، وأن يقولوه بلسان الحال حيث بنوا شديداً وأمّلوا بعيداً. و {ما لَكُمْ} جواب القسم، وإنما جاء بلفظ الخطاب لقوله {أَقْسَمْتُمْ} ولو حكى لفظ المقسمين لقيل: ما لنا {مِنْ زَوالٍ} والمعنى أقسمتم أنكم باقون في الدنيا لا تزالون بالموت والفناء. وقيل. لا تنتقلون إلى دار أخرى يعنى كفرهم بالبعث، كقوله {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ} يقال: سكن الدار وسكن فيها. ومنه قوله تعالى {وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} لأنّ السكنى من السكون الذي هو اللبث، والأصل تعدّيه بفي، كقولك: قرّ في الدار وغنى فيها وأقام فيها، ولكنه لما نقل إلى سكون خاص تصرف فيه فقيل: سكن الدار كما قيل: تبوّأها وأوطنها. ويجوز أن يكون: سكنوا، من السكون، أى: قرّوا فيها واطمأنوا طيبي النفوس، سائرين سيرة من قبلهم في الظلم والفساد، لا يحدّثونها بما لقى الأوّلون من أيام الله وكيف كان عاقبة ظلمهم، فيعتبروا ويرتدعوا {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ} بالإخبار والمشاهدة {كَيْفَ} أهلكناهم وانتقمنا منهم. وقرئ: ونبين لكم، بالنون {وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ} أى صفات ما فعلوا وما فعل بهم، وهي في الغرابة كالأمثال المضروبة لكل ظالم {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ} أى مكرهم العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم {وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ} لا يخلوا إمّا أن يكون مضافا إلى الفاعل كالأوّل، على معنى: ومكتوب عند الله مكرهم، فهو مجازيهم عليه بمكر هو أعظم منه، أو يكون مضافا إلى المفعول على معنى: وعند الله مكرهم الذي يمكرهم به، وهو عذابهم الذي يستحقونه يأتيهم به من حيث لا يشعرون ولا يحتسبون {وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ} وإن عظم مكرهم وتبالغ في الشدة، فضرب زوال الجبال منه مثلا لتفاقمه وشدته، أى: وإن كان مكرهم مسوى لإزالة الجبال. معداً لذلك، وقد جعلت إن نافية واللام مؤكدة لها، كقوله تعالى {وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ} والمعنى: ومحال أن تزول الجبال بمكرهم، على أنّ الجبال مثل لآيات الله وشرائعه، لأنها بمنزلة الجبال الراسية ثباتاً وتمكناً. وتنصره قراءة ابن