الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الحجر

صفحة 576 - الجزء 2

  ومن تأخر. وقيل: المستقدمين في صفوف الجماعة والمستأخرين. وروى أن امرأة حسناء كانت في المصليات خلف رسول الله ÷، فكان بعض القوم يستقدم لئلا ينظر إليها، وبعض يستأخر ليبصرها فنزلت {هُوَ يَحْشُرُهُمْ} أى هو وحده القادر على حشرهم، والعالم بحصرهم مع إفراط كثرتهم وتباعد أطراف عددهم {إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} باهر الحكمة واسع العلم، يفعل كل ما يفعل على مقتضى الحكمة والصواب، وقد أحاط علماً بكل شيء.

  {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ٢٦ وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ ٢٧}

  الصلصال: الطين اليابس الذي يصلصل وهو غير مطبوخ، وإذا طبخ فهو فخار. قالوا: إذا توهمت في صوته مدّا فهو صليل، وإن توهمت فيه ترجيعاً فهو صلصلة. وقيل: هو تضعيف «صل» إذا أنتن. والحمأ: الطين الأسود المتغير. والمسنون: المصوّر، من سنة الوجه، وقيل: المصبوب المفرغ، أى: أفرغ صورة إنسان كما تفرغ الصور من الجواهر المذوبة في أمثلتها. وقيل: المنتن، من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به، فالذي يسيل بينهما سنين، ولا يكون إلا منتنا {مِنْ حَمَإٍ} صفة لصلصال، أى: خلقه من صلصال كائن من حمأ وحق {مَسْنُونٍ} بمعنى مصور، أن يكون صفة لصلصال، كأنه أفرغ الحمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف، فيبس حتى إذا نقر صلصل، ثم غيره بعد ذلك إلى جوهر آخر {وَالْجَانَ} للجن كآدم للناس. وقيل: هو إبليس. وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد: والجأن، بالهمز {مِنْ نارِ السَّمُومِ} من نار الحرّ الشديد النافذ في المسام. قيل: هذه السموم جزء من سبعين جزأ من سموم النار التي خلق الله منها الجانّ.

  {وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ٢٨ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ ٢٩ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ