الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الحجر

صفحة 578 - الجزء 2

  بما ينسى اللعن معه. و {يَوْمِ الدِّينِ} و {يَوْمِ يُبْعَثُونَ} و {يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} في معنى واحد، ولكن خولف بين العبارات سلوكا بالكلام طريقة البلاغة. وقيل: إنما سأل الإنظار إلى اليوم الذي فيه يبعثون لئلا يموت، لأنه لا يموت يوم البعث أحد، فلم يجب إلى ذلك، وأُنظر إلى آخر أيام التكليف {بِما أَغْوَيْتَنِي} الباء للقسم. و «ما» مصدرية وجواب القسم {لَأُزَيِّنَنَ} المعنى: أقسم بإغوائك إياى لأزينن لهم. ومعنى إغوائه إياه: تسبيبه لغيه، بأن أمره بالسجود لآدم #، فأفضى ذلك إلى غيه. وما الأمر بالسجود إلا حسن وتعريض للثواب بالتواضع والخضوع لأمر الله، ولكن إبليس اختار الإباء والاستكبار فهلك، والله تعالى بريء من غيه ومن إرادته والرضا به، ونحو قوله {بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ}: قوله {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} في أنه إقسام، إلا أن أحدهما إقسام بصفته والثاني إقسام بفعله، وقد فرق الفقهاء بينهما. ويجوز أن لا يكون قسما، ويقدر قسم محذوف، ويكون المعنى: بسبب تسبيبك لإغوائى أقسم لأفعلنّ بهم نحو ما فعلت بى من التسبيب لإغوائهم، بأن أزين لهم المعاصي وأوسوس إليهم ما يكون سبب هلاكهم {فِي الْأَرْضِ} في الدنيا التي هي دار الغرور، كقوله تعالى {أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ} أو أراد أنى أقدر على الاحتيال لآدم والتزيين له الأكل من الشجرة وهو في السماء، فأنا علىّ التزيين لأولاده في الأرض أقدر. أو أراد: لأجعلنّ مكان التزيين عندهم الأرض، ولأوقعن تزييني فيها، أى: لأزيننها في أعينهم ولأحدّثنهم بأنّ الزينة في الدنيا وحدها، حتى يستحبوها على الآخرة ويطمئنوا إليها دونها. ونحوه:

  يَجْرَحْ فِى عَرَاقِيبِهَا نَصْلِى