الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الإسراء

صفحة 649 - الجزء 2

  {وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً ٤ فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً ٥ ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً ٦}

  {وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ} وأوحينا إليهم وحيا مقضيا، أى مقطوعا مبتوتاً بأنهم يفسدون في الأرض لا محالة، ويعلون، أى: يتعظمون ويبغون {فِي الْكِتابِ} في التوراة، و {لَتُفْسِدُنَ} جواب قسم محذوف. ويجوز أن يجرى القضاء المبتوت مجرى القسم، فيكون {لَتُفْسِدُنَ} جوابا له، كأنه قال: وأقسمنا لتفسدن. وقرئ: لتفسدنّ، على البناء للمفعول. ولتفسدن، بفتح التاء من فسد {مَرَّتَيْنِ} أولاهما: قتل زكريا وحبس أرميا حين أنذرهم سخط الله، والآخرة: قتل يحيى بن زكريا وقصد قتل عيسى ابن مريم {عِباداً لَنا} وقرئ عبيداً لنا. وأكثر ما يقال: عباد الله وعبيد الناس: سنحاريب وجنوده وقيل بخت نصر. وعن ابن عباس: جالوت. قتلوا علماءهم وأحرقوا التوراة، وخربوا المسجد، وسبوا منهم سبعين ألفاً. فإن قلت: كيف جاز أن يبعث الله الكفرة على ذلك ويسلطهم عليه. قلت: معناه خلينا بينهم وبين ما فعلوا ولم نمنعهم، على أنّ الله عزّ وعلا أسند بعث الكفرة عليهم إلى نفسه، فهو كقوله تعالى {وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} وكقول الداعي. وخالف بين كلمهم. وأسند الجوس وهو التردّد خلال الديار بالفساد إليهم، فتخريب المسجد وإحراق التوراة من جملة الجوس المسند إليهم. وقرأ طلحة «فحاسوا» بالحاء. وقرئ: فجوّسوا. وخلل الديار. فإن قلت: ما معنى {وَعْدُ أُولاهُما}؟ قلت: معناه وعد عقاب أولاهما {وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً} يعنى: وكان وعد العقاب وعدا لا بد أن يفعل {ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ} أى الدولة والغلبة على الذين بعثوا عليكم حين تبتم ورجعتم عن الفساد والعلو. قيل: هي قتل بخت نصر واستنقاذ بنى إسرائيل أسراهم وأموالهم ورجوع الملك إليهم، وقيل: هي قتل داود جالوت {أَكْثَرَ نَفِيراً} مما كنتم.