الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الإسراء

صفحة 651 - الجزء 2

  الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً ٩ وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً ١٠}

  {لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} للحالة التي هي أقوم الحالات وأسدّها. أو للملة. أو للطريقة. وأينما قدرت لم تجد مع الإثبات ذوق البلاغة الذي تجده مع الحذف، لما في إبهام الموصوف بحذفه من فخامة تفقد مع إيضاحه. وقرئ: ويبشر، بالتخفيف، فإن قلت: كيف ذكر المؤمنين الأبرار والكفار ولم يذكر الفسقة؟ قلت: كان الناس حينئذ إما مؤمن تقى، وإما مشرك، وإنما حدث أصحاب المنزلة بين المنزلتين بعد ذلك. فإن قلت: علام عطف {وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}؟ قلت: على {أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} على معنى: أنه بشر المؤمنين ببشارتين اثنتين: بثوابهم، وبعقاب أعدائهم ويجوز أن يراد: ويخبر بأن الذين لا يؤمنون معذبون.

  {وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً ١١}

  أى: ويدعو الله عند غضبه بالشر على نفسه وأهله وماله، كما يدعوه لهم بالخير، كقوله {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ}. {وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً} يتسرع إلى طلب كل ما يقع في قلبه ويخطر بباله، لا يتأنى فيه تأنى المتبصر. وعن النبي ÷ أنه دفع إلى سودة بنت زمعة أسيرا، فأقبل يئن بالليل، فقالت له: مالك تئن؟ فشكا ألم القدّ، فأرخت من كتافه، فلما نامت أخرج يده وهرب، فلما أصبح النبي ÷ دعا به فأعلم بشأنه، فقال ÷ «اللهم اقطع يديها» فرفعت سودة يديها تتوقع الإجابة، وأن يقطع الله يديها، فقال النبي ÷: «إنى سألت الله أن يجعل لعنتي ودعائي على من لا يستحق من أهلى رحمة لأنى بشر أغضب كما يغضب البشر فلتردّ سودة يديها» ويجوز أن يريد بالإنسان الكافر، وأنه يدعو بالعذاب استهزاء ويستعجل به، كما يدعو بالخير إذا مسته الشدّة. وكان