الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الإسراء

صفحة 655 - الجزء 2

  ففعل. كثبرته فثبر. وفي الحديث: «خير المالك سكة مأبورة ومهرة مأمورة» أى كثيرة النتاج. وروى أن رجلا من المشركين قال لرسول الله ÷: إنى أرى أمرك هذا حقيراً، فقال ÷: إنه سيأمر. أى سيكثر وسيكبر.

  {وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ١٧}

  وقرئ: آمرنا من أمر وأمره غيره. وأمّرنا بمعنى أمرنا، أو من أمر إمارة، وأمره الله. أى: جعلناهم أمراء وسلطناهم {كَمْ} مفعول {أَهْلَكْنا} و {مِنَ الْقُرُونِ} بيان لكم وتمييز له، كما يميز العدد بالجنس، يعنى عاد وثمودا وقرونا بين ذلك كثيرا. ونبه بقوله {وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً} على أن الذنوب هي أسباب الهلكة لا غير، وأنه عالم بها ومعاقب عليها.

  {مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً ١٨ وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً ١٩}

  من كانت العاجلة همه ولم يرد غيرها كالكفرة وأكثر الفسقة، تفضلنا عليه من منافعها بما نشاء لمن نريد، فقيد الأمر تقييدين، أحدهما: تقييد المعجل بمشيئته. والثاني: تقييد المعجل له بإرادته، وهكذا الحال: ترى كثيرا من هؤلاء يتمنون ما يتمنون ولا يعطون إلا بعضاً منه، وكثيرا منهم يتمنون ذلك البعض وقد حرموه، فاجتمع عليهم فقر الدنيا وفقر الآخرة، وأمّا