سورة الإسراء
  عَلَيْنا كِتاباً} من السماء فيه تصديقك. عن ابن عباس ®: قال عبد الله بن أبى أمية: لن نؤمن لك حتى تتخذ إلى السماء سلما. ثم ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها ثم تأتى معك بصك منشور، معه أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول. وما كانوا يقصدون بهذه الاقتراحات إلا العناد واللجاج، ولو جاءتهم كل آية لقالوا: هذا سحر، كما قال ø {وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ}، {وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ} وحين أنكروا الآية الباقية التي هي القرآن وسائر الآيات وليست بدون ما اقترحوه - بل هي أعظم - لم يكن إلى تبصرتهم سبيل {قُلْ سُبْحانَ رَبِّي} وقرئ: قال سبحان ربى، أى قال الرسول. و {سُبْحانَ رَبِّي} تعجب من اقتراحاتهم عليه {هَلْ كُنْتُ إِلَّا} رسولا كسائر الرسل {بَشَراً} مثلهم، وكان الرسل لا يأتون قومهم إلا بما يظهره الله عليهم من الآيات، فليس أمر الآيات إلىّ، وإنما هو إلى الله فما بالكم تتخيرونها علىّ.
  {وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً ٩٤ قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً ٩٥}
  {أَنْ} الأولى نصب مفعول ثان لمنع. والثانية رفع فاعل له. و {الْهُدى} الوحى، أى: وما منعهم الإيمان بالقرآن وبنبوة محمد ÷ إلا شبهة تلجلجت في صدورهم، وهي إنكارهم أن يرسل الله البشر. والهمزة في {أَبَعَثَ اللهُ} للإنكار، وما أنكروه فخلافه هو المنكر عند الله، لأن قضية حكمته أن لا يرسل ملك الوحى إلا إلى أمثاله، أو إلى الأنبياء، ثم قرر ذلك بأنه {لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ} على أقدامهم كما يمشى الإنس ولا يطيرون بأجنحتهم إلى السماء فيسمعوا من أهلها ويعلموا ما يجب علمه {مُطْمَئِنِّينَ} ساكنين في الأرض قارّين {لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً} يعلمهم الخير ويهديهم المراشد. فأما الإنس فما هم بهذه المثابة، إنما يرسل الملك إلى مختار منهم للنبوة، فيقوم ذلك المختار بدعوتهم وإرشادهم. فإن قلت: هل يجوز أن يكون بشرا وملكا، منصوبين على الحال من رسولا؟ قلت: وجه حسن، والمعنى له أجوب.
  {قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ٩٦}