الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الإسراء

صفحة 696 - الجزء 2

  مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً ٩٩}

  فإن قلت: علام عطف قوله {وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً}؟ قلت: على قوله {أَوَلَمْ يَرَوْا} لأن المعنى قد علموا بدليل العقل أنّ من قدر على خلق السموات والأرض فهو قادر على خلق أمثالهم من الإنس، لأنهم ليسوا بأشد خلقا منهن كما قال: أأنتم أشد خلقا أم السماء {وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ} وهو الموت أو القيامة، فأبوا مع وضوح الدليل إلا جحودا.

  {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً ١٠٠}

  {لَوْ} حقها أن تدخل على الأفعال دون الأسماء، فلا بد من فعل بعدها في {لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ} وتقديره لو تملكون، فأضمر تملك إضمارا على شريطة التفسير، وأبدل من الضمير المتصل الذي هو الواو ضمير منفصل، وهو أنتم، لسقوط ما يتصل به من اللفظ، فأنتم: فاعل الفعل المضمر، وتملكون: تفسيره! وهذا هو الوجه الذي يقتضيه علم الإعراب. فأمّا ما يقتضيه علم البيان، فهو: أنّ أنتم تملكون فيه دلالة على الاختصاص، وأنّ الناس هم المختصون بالشح المتبالغ، ونحوه قول حاتم:

  لو ذات سوار لطمتنى

  وقول المتلمس:

  ولو غير أخوالى أرادوا نقيصتى

  وذلك لأنّ الفعل الأول لما سقط لأجل المفسر، وبرز الكلام في صورة المبتدإ والخبر. ورحمة الله: رزقه وسائر نعمه على خلقه، ولقد بلغ هذا الوصف بالشح الغاية التي لا يبلغها الوهم. وقيل: هو لأهل مكة الذين اقترحوا ما اقترحوا من الينبوع والأنهار وغيرها، وأنهم لو ملكوا خزائن الأرزاق لبخلوا بها {قَتُوراً} ضيقا بخيلا. فإن قلت: هل يقدر {لَأَمْسَكْتُمْ} مفعول؟ قلت: لا، لأن معناه: لبخلتم، من قولك للبخيل: ممسك.