الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الإسراء

صفحة 700 - الجزء 2

  قلت: معناه جعل ذقنه ووجهه للخرور واختصه به، لأن اللام للاختصاص. فإن قلت: لم كرّر يخرون للأذقان؟ قلت: لاختلاف الحالين وهما خرورهم في حال كونهم ساجدين، وخرورهم في حال كونهم باكين.

  {قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ١١٠}

  عن ابن عباس ® سمعه أبو جهل يقول: يا الله يا رحمن، فقال: إنه ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعوا إلها آخر. وقيل: إن أهل الكتاب قالوا: إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم فنزلت. والدعاء بمعنى التسمية لا بمعنى النداء، وهو يتعدّى إلى مفعولين، تقول: دعوته زيدا، ثم يترك أحدهما استغناء عنه فيقال: دعوت زيدا. والله والرحمن، المراد بهما الاسم لا المسمى. وأو للتخيير، فمعنى {ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ} سموا بهذا الاسم أو بهذا، واذكروا إما هذا وإما هذا. والتنوين في {أَيًّا} عوض من المضاف إليه. و {ما} صلة للإبهام المؤكد لما في أىّ، أى: أىّ هذين الاسمين سميتم وذكرتم {فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى} والضمير في {فَلَهُ} ليس براجع إلى أحد الاسمين المذكورين، ولكن إلى مسماهما وهو ذاته تعالى، لأن التسمية للذات لا للاسم. والمعنى: أياما تدعوا فهو حسن، فوضع موضعه قوله {فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى} لأنه إذا حسنت أسماؤه كلها حسن هذان الاسمان: لأنهما منها، ومعنى كونهما أحسن الأسماء. أنها مستقلة بمعاني التحميد والتقديس والتعظيم {بِصَلاتِكَ} بقراءة صلاتك على حذف المضاف، لأنه لا يلبس، من قبل أن الجهر والمخافتة صفتان تعتقبان على الصوت لا غير، والصلاة أفعال وأذكار وكان رسول الله ÷ يرفع صوته بقراءته، فإذا سمعها المشركون لغوا وسبوا، فأمر بأن يخفض من صوته، والمعنى: ولا تجهر حتى تسمع المشركين {وَلا تُخافِتْ} حتى لا تسمع من خلفك {وَابْتَغِ بَيْنَ} الجهر المخافتة {سَبِيلاً} وسطا. وروى أنّ أبا بكر ¥ كان يخفى صوته بالقراءة في صلاته ويقول: