الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة طه

صفحة 50 - الجزء 3

  على المسميين، والله أعلم بصحة ما يقال: إن «طاها» في لغة عك في معنى يا رجل، ولعل عكا تصرفوا في «يا هذا» كأنهم في لغتهم قالبون الياء طاء، فقالوا في «يا»: «طا»، واختصروا هذا فاقتصروا على ها، وأثر الصنعة ظاهر لا يخفى في البيت المستشهد به:

  إنّ السّفاهة طاها في خلائقكم ... لا قدّس الله أخلاق الملاعين

  والأقوال الثلاثة في الفواتح: أعنى التي قدمتها في أول الكاشف عن حقائق التنزيل، هي التي يعوّل عليها الألباء المتقنون {ما أَنْزَلْنا} إن جعلت {طه} تعديدا لأسماء الحروف على الوجه السابق ذكره فهو ابتداء كلام. وإن جعلتها اسما للسورة احتملت أن تكون خبرا عنها وهي في موضع المبتدأ، و {الْقُرْآنَ} ظاهر أوقع موقع الضمير لأنها قرآن، وأن يكون جوابا لها وهي قسم. وقرئ: ما نزل عليك القرآن {لِتَشْقى} لتتعب بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم، وتحسرك على أن يؤمنوا كقوله تعالى {فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ} والشقاء يجيء في معنى التعب. ومنه المثل: أشقى من رائض مهر، أى ما عليك إلا أن تبلغ وتذكر، ولم يكتب عليك أن يؤمنوا لا محالة، بعد أن لم تفرط في أداء الرسالة والموعظة الحسنة. وقيل: إن أبا جهل والنضر بن الحرث قالا له: إنك شقى لأنك تركت دين آبائك، فأريد ردّ ذلك بأن دين الإسلام وهذا القرآن هو السلم إلى نيل كل فوز، والسبب في درك كل سعادة، وما فيه الكفرة هو الشقاوة بعينها. وروى أنه عليه الصلاة والسلام صلى بالليل حتى اسمعدت قدماه، فقال له جبريل #: أبق على نفسك فإن لها عليك حقا. أى: ما أنزلناه لتنهك نفسك بالعبادة وتذيقها المشقة الفادحة، وما بعثت إلا بالحنيفية السمحة، وكل واحد من {لِتَشْقى} و {تَذْكِرَةً} علة للفعل، إلا أن الأول وجب مجيئه مع اللام لأنه ليس لفاعل الفعل المعلل ففاتته شريطة الانتصاب على المفعولية، والثاني جاز قطع اللام عنه ونصبه لاستجماعه الشرائط. فإن قلت: أما يجوز أن تقول: ما أنزلنا عليك القرآن أن تشقى، كقوله تعالى {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ}؟ قلت: بلى ولكنها نصبة طارئة،