الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة النور

صفحة 217 - الجزء 3

  ولذلك كانت مقدّمة في آية الجلد. ويشهد لذلك قوله ÷ لخولة «فالرجم أهون عليك من غضب الله».

  {وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ١٠}

  الفضل: التفضل، وجواب «لو لا» متروك، وتركه دال على أمر عظيم لا يكتنه، ورب مسكوت عنه أبلغ من منطوق به.

  {إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ ١١}

  الإفك: أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء. وقيل: هو البهتان لا تشعر به حتى يفجأك. وأصله: الأفك، وهو القلب، لأنه قول مأفوك عن وجهه. والمراد: ما أفك به على عائشة ^. والعصبة: الجماعة من العشرة إلى الأربعين، وكذلك العصابة. واعصوصبوا: اجتمعوا، وهم عبد الله بن أبىّ رأس النفاق، وزيد بن رفاعة، وحسان بن ثابت، ومسطح ابن أثاثة، وحمنة بنت جحش، ومن ساعدهم. وقرئ: كبره بالضم والكسر، وهو عظمه. والذي تولاه عبد الله، لإمعانه في عداوة رسول الله ÷، وانتهازه الفرص، وطلبه سبيلا إلى الغميزة.

  أى يصيب كل خائض في حديث الإفك من تلك العصبة نصيبه من الإثم على مقدار خوضه. والعذاب العظيم لعبد الله، لأنّ معظم الشرّ كان منه. يحكى أن صفوان ¥ مرّ بهودجها عليه وهو في ملأ من قومه فقال: من هذه؟ فقالوا: عائشة ^، فقال: والله ما نجت منه ولا نجا منها، وقال: امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت ثم جاء يقودها. والخطاب في قوله {هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} لمن ساءه ذلك من المؤمنين، وخاصة رسول الله ÷. وأبى بكر، وعائشة، وصفوان بن المعطل ¤. ومعنى كونه خيرا لهم: أنهم اكتسبوا فيه الثواب العظيم، لأنه كان بلاء مبينا ومحنة ظاهرة، وأنه نزلت فيه ثماني عشرة آية كل واحدة منها مستقلة بما هو تعظيم لشأن رسول الله ÷، وتسلية له، وتنزيه لأم المؤمنين رضوان الله عليها، وتطهير لأهل البيت، وتهويل لمن تكلم في ذلك أو