الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة النمل

صفحة 385 - الجزء 3

  بيضاء فتفشو تلك النكتة في وجهه حتى يضيء لها وجهه أو فتترك وجهه كأنه كوكب درّى، وتكتب بين عينيه: مؤمن: وتنكت الكافر بالخاتم في أنفه، فتفشو النكتة حتى يسودّ لها وجهه وتكتب بين عينيه: كافر. وروى: فتجلو وجه المؤمن بالعصا وتحطم أنف الكافر بالخاتم، ثم تقول لهم: يا فلان، أنت من أهل الجنة. ويا فلان، أنت من أهل النار. وقرئ: تكلمهم، من الكلم وهو الجرح. والمراد به: الوسم بالعصا والخاتم. ويجوز أن يكون تكلمهم من الكلم أيضا، على معنى التكثير. يقال: فلان مكلم، أى مجرّح. ويجوز أن يستدل بالتخفيف على أنّ المراد بالتكليم: التجريح، كما فسر: لنحرقنه، بقراءة علىّ رضى الله عنه: لنحرقنه، وأن يستدل بقراءة أبىّ: تنبئهم. وبقراءة ابن مسعود: تكلمهم بأنّ الناس، على أنه من الكلام. والقراءة بإن مكسورة: حكاية لقول الدابة، إما لأنّ الكلام بمعنى القول. أو بإضمار القول، أى: تقول الدابة ذلك. أو هي حكاية لقوله تعالى عند ذلك. فإن قلت: إذا كانت حكاية لقول الدابة فكيف تقول بآياتنا قلت: قولها حكاية لقول الله تعالى. أو على معنى بآيات ربنا. أو لاختصاصها بالله وأثرتها عنده، وأنها من خواص خلقه: أضافت آيات الله إلى نفسها، كما يقول بعض خاصة الملك: خيلنا وبلادنا، وإنما هي خيل مولاه وبلاده. ومن قرأ بالفتح فعلى حذف الجار، أى: تكلمهم بأن.

  {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ ٨٣}

  {فَهُمْ يُوزَعُونَ} يحبس أوّ لهم على آخرهم حتى يجتمعوا فيكبكبوا في النار. وهذه عبارة عن كثرة العدد وتباعد أطرافه، كما وصفت جنود سليمان بذلك. وكذلك قوله {فَوْجاً} فإن الفوج الجماعة الكثيرة. ومنه قوله تعالى {يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً} وعن ابن عباس ®: أبو جهل والوليد بن المغيرة، وشيبة بن ربيعة: يساقون بين يدي أهل مكة، وكذلك يحشر قادة سائر الأمم بين أيديهم إلى النار. فإن قلت: أى فرق بين من الأولى والثانية؟ قلت: الأولى للتبعيض، والثانية للتبيين، كقوله {مِنَ الْأَوْثانِ}.

  {حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ٨٤ وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ ٨٥}

  الواو للحال، كأنه قال: أكذبتم بها بادئ الرأى من غير فكر ولا نظر يؤدى إلى إحاطة العلم بكنهها، وأنها حقيقة بالتصديق أو بالتكذيب. أو للعطف، أى: أجحدتموها ومع جحودكم لم تلقوا أذهانكم لتحققها وتبصرها، فإن المكتوب إليه قد يجحد أن يكون الكتاب من عند من كتبه، ولا يدع مع ذلك أن يقرأه ويتفهم مضامينه ويحيط بمعانيه {أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}