الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة لقمان

صفحة 498 - الجزء 3

  عائشة في عمر ® «كان إذا مشى أسرع» فإنما أرادت السرعة المرتفعة عن دبيب المتماوت. وقرئ: وأقصد، بقطع الهمزة، أى: سدّد في مشيك من أقصد الرامي إذا سدّد سهمه نحو الرمية {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} وانقص منه واقصر، من قولك: فلان يغض من فلان إذا قصر به ووضع منه {أَنْكَرَ الْأَصْواتِ} أوحشها، من قولك: شيء نكر، إذا أنكرته النفوس واستوحشت منه ونفرت. والحمار مثل في الذم البليغ والشتيمة، وكذلك نهاقه. ومن استفحاشهم لذكره مجردا وتفاديهم من اسمه: أنهم يكنون عنه ويرغبون عن التصريح به، فيقولون: الطويل الأذنين، كما يكنى عن الأشياء المستقذرة: وقد عدّ في مساوي الآداب: أن يجرى ذكر الحمار في مجلس قوم من أولى المروءة. ومن العرب من لا يركب الحمار استنكافا وإن بلغت منه الرجلة، فتشبيه الرافعين أصواتهم بالحمير، وتمثيل أصواتهم بالنهاق، تم إخلاء الكلام من لفظ التشبيه وإخراجه مخرج الاستعارة - وإن جعلوا حميرا وصوتهم نهاقا - ومبالغة شديدة في الذم والتهجين وإفراط في التثبيط عن رفع الصوت والترغيب عنه. وتنبيه على أنه من كراهة الله بمكان. فإن قلت: لم وحد صوت الحمير ولم يجمع؟ قلت: ليس المراد أن يذكر صوت كل واحد من آحاد هذا الجنس حتى يجمع، وإنما المراد أن كل جنس من الحيوان الناطق له صوت، وأنكر أصوات هذه الأجناس صوت هذا الجنس، فوجب توحيده.

  {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ ٢٠}

  {ما فِي السَّماواتِ} الشمس والقمر والنجوم والسحاب وغير ذلك {وَما فِي الْأَرْضِ} البحار والأنهار والمعادن والدواب وما لا يحصى {وَأَسْبَغَ} وقرىّ بالسين والصاد، وهكذا كل سين اجتمع معه الغين والخاء والقاف، تقول في سلخ، صلخ، وفي سقر: صقر، وفي سالغ: صالغ