الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة لقمان

صفحة 500 - الجزء 3

  أنه سلم إليه نفسه كما يسلم المتاع إلى الرجل إذا دفع إليه. والمراد: التوكل عليه والتفويض إليه {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى} من باب التمثيل: مثلت حال المتوكل بحال من أراد أن يتدلى من شاهق، فاحتاط لنفسه بأن استمسك بأوثق عروة من حبل متين مأمون انقطاعه {وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ} أى هي صائرة إليه.

  {وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ٢٣ نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ ٢٤}

  قرئ: يحزنك، ويحزنك: من حزن، وأحزن. والذي عليه الاستعمال المستفيض: أحزنه ويحزنه. والمعنى: لا يهمنك كفر من كفر وكيده للإسلام، فإن الله ø دافع كيده في نحره، ومنتقم منه، ومعاقبه على عمله {إِنَّ اللهَ} يعلم ما في صدور عباده، فيفعل بهم على حسبه {نُمَتِّعُهُمْ} زمانا {قَلِيلاً} بدنياهم {ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ} شبه إلزامهم التعذيب وإرهاقهم إياه باضطرار المضطرّ إلى الشيء الذي لا يقدر على الانفكاك منه. والغلظ: مستعار من الأجرام الغليظة. والمراد الشدّة والثقل على المعذب.

  {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ٢٥ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ٢٦ وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ٢٧}

  {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} إلزام لهم على إقرارهم بأنّ الذي خلق السماوات والأرض هو الله وحده، وأنه يجب أن يكون له الحمد والشكر. وأن لا يعبد معه غيره، ثم قال {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أنّ ذلك يلزمهم، وإذا نبهوا عليه لم ينتبهوا {إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُ} عن حمد الحامدين المستحق للحمد، وإن لم يحمدوه.