الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الصافات

صفحة 65 - الجزء 4

  وعن الحسن: أشركوا الجن في طاعة الله. ويجوز إذا فسر الجنة بالشياطين: أن يكون الضمير في {إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} لهم، والمعنى أن الشياطين عالمون بأنّ الله يحضرهم النار ويعذبهم، ولو كانوا مناسبين له أو شركاء في وجوب الطاعة لما عذبهم {إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ} استثناء منقطع من المحضرين: معناه ولكن المخلصين ناجون. وسبحان الله: اعتراض بين الاستثناء وبين ما وقع منه. ويجوز أن يقع الاستثناء من الواو في يصفون، أى: يصفه هؤلاء بذلك، ولكن المخلصون برآء من أن يصفوه به.

  {فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ١٦١ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ ١٦٢ إِلاَّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ ١٦٣}

  والضمير في {عَلَيْهِ} لله ø ومعناه: فإنكم ومعبوديكم ما أنتم وهم جميعا بفاتنين على الله إلا أصحاب النار الذين سبق في علمه أنهم لسوء أعمالهم يستوجبون أن يصلوها. فإن قلت: كيف يفتنونهم على الله؟ قلت. يفسدونهم عليه بإغوائهم واستهزائهم، من قولك يفتن فلان على فلان امرأته، كما تقول: أفسدها عليه وخيبها عليه. ويجوز أن يكون الواو في {وَما تَعْبُدُونَ} بمعنى مع، مثلها في قولهم: كل رجل وضيعته، فكما جاز السكوت على كل رجل وضيعته، وأنّ كل رجل وضيعته، جاز أن يسكت على قوله {فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ} لأن قوله {وَما تَعْبُدُونَ} سادّ مسدّ الخبر، لأن معناه: فإنكم مع ما تعبدون. والمعنى: فإنكم مع آلهتكم، أى: فإنكم قرناؤهم وأصحابهم لا تبرحون تعبدونها، ثم قال: ما أنتم عليه، أى على ما تعبدون {بِفاتِنِينَ} بباعثين أو حاملين على طريق الفتنة والإضلال {إِلَّا مَنْ هُوَ} ضال مثلكم. أو يكون في أسلوب قوله:

  فإنّك والكتاب إلى علىّ ... كدا بغة وقد حلم الأديم

  وقرأ الحسن: صال الجحيم، بضم اللام. وفيه ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكون جمعا وسقوط واوه لالتقاء الساكنين هي ولام التعريف «فإن قلت» كيف استقام الجمع مع قوله {مَنْ هُوَ}؟ قلت من موحد اللفظ مجموع المعنى فحمل هو على لفظه والصالحون على معناه كما حمل في مواضع من التنزيل