الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الزمر

صفحة 114 - الجزء 4

  للحصر من نفس آدم، وخلق حواء من قصيراه، إلا أن إحداهما جعلها الله عادة مستمرّة، والأخرى لم تجربها العادة، ولم تخلق أنثى غير حواء من قصيرى رجل، فكانت أدخل في كونها آية، وأجلب لعجب السامع، فعطفها بثم على الآية الأولى، للدلالة على مباينتها لها فضلا ومزية، وتراخيها عنها فيما يرجع إلى زيادة كونها آية، فهو من التراخي في الحال والمنزلة، لا من التراخي في الوجود. وقيل: ثم متعلق بمعنى واحدة، كأنه قيل: خلقكم من نفس وحدت، ثم شفعها الله بزوج. وقيل: أخرج ذرية آدم من ظهره كالذر، ثم خلق بعد ذلك حواء {وَأَنْزَلَ لَكُمْ} وقضى لكم وقسم، لأنّ قضاياه وقسمه موصوفة بالنزول من السماء، حيث كتب في اللوح: كل كائن يكون. وقيل: لا تعيش الأنعام إلا بالنبات، والنبات لا يقوم إلا بالماء. وقد أنزل الماء، فكأنه أنزلها. وقيل: خلقها في الجنة ثم أنزلها. {ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ} ذكرا وأنثى من الإبل والبقر والضأن والمعز. والزوج: اسم لواحد معه آخر، فإذا انفرد فهو فرد ووتر. قال الله تعالى: {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى}. {خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} حيوانا سويا، من بعد عظام مكسوة لحما، من بعد عظام عارية، من بعد مضغ، من بعد علق، من بعد نطف. والظلمات الثلاث: البطن والرحم والمشيمة. وقيل:

  الصلب والرحم والبطن {ذلِكُمُ} الذي هذه أفعاله هو {اللهُ رَبُّكُمْ ...... فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} فكيف يعدل بكم عن عبادته إلى عبادة غيره؟

  {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ٧}

  {فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ} عن إيمانكم وإنكم المحتاجون إليه، لاسضراركم بالكفر واستنفاعكم بالإيمان {وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ} رحمة لهم، لأنه يوقعهم في الهلكة {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} أى يرض الشكر لكم، لأنه سبب فوزكم وفلاحكم، فإذن ما كره كفركم ولا رضى شكركم