سورة [فصلت، وتسمى] السجدة
  {مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ} من طلب السعة في المال والنعمة. وقرأ ابن مسعود: من دعاء بالخير {وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ} أى الضيقة والفقر {فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ} بولغ فيه من طريقين: من طريق بناء فعول، ومن طريق التكرير والقنوط أن يظهر عليه أثر اليأس فيتضاءل وينكسر، أى: يقطع الرجاء من فضل الله وروحه، وهذه صفة الكافر بدليل قوله تعالى {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ} وإذا فرجنا عنه بصحة بعد مرض أو سعة بعد ضيق قال {هذا لِي} أى هذا حقي وصل إلىّ، لأنى استوجبته بما عندي من خير وفضل وأعمال برّ. أو هذا لي لا يزول عنى، ونحوه قوله تعالى {فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ} ونحوه قوله تعالى {وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً} {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} يريد: وما أظنها تكون، فإن كانت على طريق التوهم {إِنَّ لِي} عند الله الحالة الحسنى من للكرامة والنعمة، قائسا أمر الاخرة على أمر الدنيا. وعن بعضهم: للكافر أمنيتان، يقول في الدنيا: ولئن رجعت إلى ربى إنّ لي عنده للحسنى. ويقول في الآخرة: يا ليتني كنت ترابا. وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة. فلنخبرنهم بحقيقة ما عملوا من الأعمال الموجبة للعذاب. ولنبصرنهم عكس ما اعتقدوا فيها أنهم يستوجبون عليها كرامة وقربة عند الله {وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً} وذلك أنهم كانوا ينفقون أموالهم رئاء الناس وطلبا للافتخار والاستكبار لا غير، وكانوا يحسبون أنّ ما هم عليه سبب الغنى والصحة، وأنهم محقوقون بذلك.
  {وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ ٥١}
  هذا أيضا ضرب آخر من طغيان الإنسان إذا أصابه الله بنعمة أبطرته النعمة، وكأنه لم يلق بؤسا قط فنسي المنعم وأعرض عن شكره {وَنَأى بِجانِبِهِ} أى ذهب بنفسه وتكبر وتعظم. وإن مسه الضرّ والفقر: أقبل على دوام الدعاء وأخذ في الابتهال والتضرع. وقد استعير العرض لكثرة الدعاء ودوامه وهو من صفة الأجرام، ويستعار له الطول أيضا كما استعير الغلظ بشدّة العذاب. وقرئ: ونأى بجانبه، بإمالة الألف وكسر النون للإتباع. وناء على القلب، كما قالوا: راء في رأى. فإن قلت: حقق لي معنى قوله تعالى {وَنَأى بِجانِبِهِ} قلت: فيه وجهان: أن يوضع جانبه موضع نفسه كما ذكرنا في قوله تعالى {عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ} أن مكان الشيء وجهته ينزل منزلة الشيء نفسه، ومنه قوله:
  ..... ونفيت عنه ... مقام الذئب ...... ..