الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الشورى

صفحة 227 - الجزء 4

  وقرئ: الرياح فيظللن بفتح اللام وكسرها، من ظل يظل ويظل، نحو: ضل يضل ويضل {رَواكِدَ} ثوابت لا تجرى {عَلى ظَهْرِهِ} على ظهر البحر {لِكُلِّ صَبَّارٍ} على بلاء الله {شَكُورٍ} لنعمائه، وهما صفتا المؤمن المخلص، فجعلهما كناية عنه، وهو الذي وكل همته بالنظر في آيات الله، فهو يستملى منها العبر {يُوبِقْهُنَ} يهلكهن. والمعنى: أنه إن يشأ يبتلى المسافرين في البحر بإحدى بليتين: إما أن يسكن الريح فيركد الجواري على متن البحر ويمنعهن من الجري، وإما أن يرسل الريح عاصفة فيهلكهن إغراقا بسبب ما كسبوا من الذنوب {وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ} منها، فإن قلت: علام عطف يوبقهن؟ قلت: على يسكن، لأنّ المعنى: إن يشأ يسكن الريح فيركدن. أو يعصفها فيغرقن بعصفها. فإن قلت: فما معنى إدخال العفو في حكم الإيباق حيث جزم جزمه؟ قلت: معناه: أو إن يشأ يهلك ناسا وينج ناسا على طريق العفو عنهم. فإن قلت: فمن قرأ {وَيَعْفُ}؟ قلت: قد استأنف الكلام.

  {وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ ٣٥}

  فإن قلت: فما وجوه القراءات الثلاث في {وَيَعْلَمَ}؟ قلت: أما الجزم فعلى ظاهر العطف وأما الرفع فعلى الاستئناف. وأما النصب فللعطف على تعليل محذوف تقديره: لينتقم منهم ويعلم الذين يجادلون ونحوه في العطف على التعليل المحذوف غير عزيز في القرآن، منه قوله تعالى {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ} وقوله تعالى {وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ} وأما قول الزجاج: النصب على إضمار أن، لأنّ قبلها جزاء، تقول: ما تصنع أصنع مثله وأكرمك. وإن شئت وأكرمك، على: وأنا أكرمك. وإن شئت وأكرمك جزما، ففيه نظر لما أورده سيبويه في كتابه. قال: واعلم أنّ النصب بالفاء والواو في قوله: إن تأتنى آتك وأعطيك: ضعيف، وهو نحو من قوله:

  وألحق بالحجاز فاستريحا

  فهذا يجوز، وليس بحدّ الكلام ولا وجهه، إلا أنه في الجزاء صار أقوى قليلا، لأنه ليس بواجب