سورة الزخرف
  دين آبائكم؟ قالوا: إنا ثابتون على دين آبائنا لا ننفك عنه، وإن جئتنا بما هو أهدى وأهدى.
  {وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ٢٦ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ٢٧ وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ٢٨}
  قرئ: براء، بفتح الباء وضمها. وبريء، فبراء وبراء، نحو كريم وكرام، وبراء: مصدر كظماء، ولذلك استوى فيه الواحد والاثنان والجماعة، والمذكر والمؤنث. يقال: نحن البراء منك، والخلاء منك {الَّذِي فَطَرَنِي} فيه غير وجه: أن يكون منصوبا على أنه استثناء منقطع، كأنه قال: لكن الذي فطرني فإنه سيهدين، وأن يكون مجرورا بدلا من المجرور بمن، كأنه قال: إننى براء مما تعبدون إلا من الذي فطرني. فإن قلت: كيف تجعله بدلا وليس من جنس ما يعبدون من وجهين، أحدهما: أن ذات الله مخالفة لجميع الذوات، فكانت مخالفة لذوات ما يعبدون. والثاني، أن الله تعالى غير معبود بينهم والأوثان معبودة؟ قلت: قالوا: كانوا يعبدون الله مع أوثانهم، وأن تكون {إِلَّا} صفة بمعنى غير، على أن «ما» في ما تعبدون موصوفة، تقديره: إننى براء من آلهة تعبدونها غير الذي فطرني، فهو نظير قوله تعالى {لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا}. فإن قلت: ما معنى قوله {سَيَهْدِينِ} على التسويف؟ قلت: قال مرة {فَهُوَ يَهْدِينِ} ومرّة {فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} فاجمع بينهما وقدّر، كأنه قال. فهو يهدين وسيهدين، فيدلان على استمرار الهداية في الحال والاستقبال {وَجَعَلَها} وجعل إبراهيم ~ كلمة التوحيد التي تكلم بها وهي قوله {إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ} في ذريته، فلا يزال فيهم من يوحد الله ويدعو إلى توحيده، لعل من أشرك منهم يرجع بدعاء من وحد منهم. ونحوه {وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ} وقيل: وجعلها الله. وقرئ: كلمة على التخفيف وفي عقبه كذلك، وفي عاقبه، أى: فيمن عقبه، أى: خلفه.
  {بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ ٢٩}
  {بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ} يعنى: أهل مكة، وهم من عقب إبراهيم بالمدّ في العمر والنعمة، فاغتروا بالمهلة، وشغلوا بالتنعم واتباع الشهوات وطاعة الشيطان عن كلمة التوحيد {حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُ} وهو القرآن {وَرَسُولٌ مُبِينٌ} الرسالة واضحها بما معه من الآيات البينة، فكذبوا به وسموه ساحرا وما جاء به سحرا ولم يوجد منهم ما رجاه إبراهيم. وقرئ: بل متعنا. فإن قلت: فما وجه قراءة من قرأ {مَتَّعْتُ} بفتح التاء؟ قلت: كأن الله تعالى اعترض على ذاته في قوله {وَجَعَلَها كَلِمَةً