سورة الزخرف
  باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} فقال: بل متعتهم بما متعتهم به من طول العمر والسعة في الرزق، حتى شغلهم ذلك عن كلمة التوحيد. وأراد بذلك الإطناب في تعييرهم، لأنه إذا متعهم بزيادة النعم وجب عليهم أن يجعلوا ذلك سببا في زيادة الشكر والثبات على التوحيد والإيمان، لا أن يشركوا به ويجعلوا له أندادا، فمثاله أن يشكو الرجل إساءة من أحسن إليه، ثم يقبل على نفسه فيقول. أنت السبب في ذلك بمعروفك وإحسانك، وغرضه بهذا الكلام توبيخ المسيء لا تقبيح فعله.
  {وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ ٣٠ وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ٣١}
  فإن قلت: قد جعل مجيء الحق والرسول غاية التمتيع، ثم أردفه قوله {وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ} فما طريقة هذا النظم ومؤداه؟ قلت: المراد بالتمتيع ما هو سبب له، وهو اشتغالهم بالاستمتاع عن التوحيد ومقتضياته، فقال: بل اشتغلوا عن التوحيد حتى جاءهم الحق ورسول مبين، فخيل بهذه الغاية أنهم تنبهوا عندها عن غفلتهم لاقتضائها التنبه، ثم ابتدأ قصتهم عند مجيء الحق فقال: ولما جاءهم الحق جاءوا بما هو شر من غفلتهم التي كانوا عليها: وهو أن ضموا إلى شركهم معاندة الحق، ومكابرة الرسول، ومعاداته، والاستخفاف بكتاب الله وشرائعه، والإصرار على أفعال الكفرة والاحتكام على حكمة الله في تخير محمد من أهل زمانه بقولهم {لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} وهي الغاية في تشويه صورة أمرهم. قرئ على رجل، بسكون الجيم من القريتين: من إحدى القريتين، كقوله تعالى {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ} أى من أحدهما. والقريتان: مكة والطائف. وقيل: من رجلي القريتين، وهما: الوليد بن المغيرة المخزومي وحبيب بن عمرو بن عمير الثقفي، عن ابن عباس. وعن مجاهد: عتبة بن ربيعة وكنانة بن عبد ياليل. وعن قتادة: الوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود