الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الدخان

صفحة 275 - الجزء 4

  {فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ ٢٢ فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ٢٣ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ ٢٤}

  {أَنَّ هؤُلاءِ} بأن هؤلاء، أى: دعا ربه بذلك. قيل: كان دعاؤه: اللهم عجل لهم ما يستحقونه بإجرامهم: وقيل هو قوله {رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} وإنما ذكر الله تعالى السبب الذي استوجبوا به الهلاك، وهو كونهم مجرمين. وقرئ: إنّ هؤلاء، بالكسر على إضمار القول، أى: فدعا ربه فقال: إن هؤلاء {فَأَسْرِ} قرئ بقطع الهمزة من أسرى، ووصلها من سرى. وفيه وجهان: إضمار القول بعد الفاء، فقال: أسر بعبادي. وأن يكون جواب شرط محذوف، كأنه قيل: قال إن كان الأمر كما تقول فأسر {بِعِبادِي} يعنى: فأسر ببني إسرائيل، فقد دبر الله أن تتقدموا ويتبعكم فرعون وجنوده، فينجى المتقدمين ويغرق التابعين. الرهو فيه وجهان، أحدهما: أنه الساكن. قال الأعشى:

  يمشين رهوا فلا الأعجاز خاذلة ... ولا الصدور على الأعجاز تتّكل

  أى مشيا ساكنا على هينة. أراد موسى لما جاوز البحر أن يضربه بعصاه فينطبق، كما ضربه فانفلق، فأمر بأن يتركه ساكنا على هيئته، قارّا على حاله: من انتصاب الماء، وكون الطريق يبسا لا يضربه بعصاه ولا يغير منه شيئا ليدخله القبط، فإذا حصلوا فيه أطبقه الله عليهم. والثاني: