الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الدخان

صفحة 278 - الجزء 4

  أهل السماء وأهل الأرض {وَما كانُوا مُنْظَرِينَ} لما جاء وقت هلاكهم لم ينظروا إلى وقت آخر، ولم يمهلوا إلى الآخرة، بل عجل لهم في الدنيا.

  {وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ ٣٠ مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ ٣١}

  {مِنْ فِرْعَوْنَ} بدل من العذاب المهين، كأنه في نفسه كان عذابا مهينا، لإفراطه في تعذيبهم وإهانتهم. ويجوز أن يكون المعنى: من العذاب المهين واقعا من جهة فرعون. وقرئ من عذاب المهين. ووجهه أن يكون تقدير قوله {مِنْ فِرْعَوْنَ}: من عذاب فرعون، حتى يكون المهين هو فرعون. وفي قراءة ابن عباس: من فرعون، لما وصف عذاب فرعون بالشدة والفظاعة قال: من فرعون، على معنى: هل تعرفونه من هو في عتوّه وشيطنته، ثم عرف حاله في ذلك بقوله {إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ} أى كبيرا رفيع الطبقة، ومن بينهم فائقا لهم، بليغا في إسرافه. أو عاليا متكبرا، كقوله تعالى {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ}. و {مِنَ الْمُسْرِفِينَ} خبر ثان، كأنه قيل: إنه كان متكبرا مسرفا.

  {وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ ٣٢ وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ ٣٣ إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ ٣٤}

  الضمير في {اخْتَرْناهُمْ} لبنى إسرائيل. و {عَلى عِلْمٍ} في موضع الحال، أى: عالمين بمكان الخيرة، وبأنهم أحقاء بأن يختاروا. ويجوز أن يكون المعنى: مع علم منا بأنهم يزيغون ويفرط منهم الفرطات في بعض الأحوال {عَلَى الْعالَمِينَ} على عالمى زمانهم. وقيل: على الناس جميعا لكثرة الأنبياء منهم {مِنَ الْآياتِ} من نحو فلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المنّ والسلوى، وغير ذلك من الآيات العظام التي لم يظهر الله في غيرهم مثلها {بَلؤُا مُبِينٌ} نعمة ظاهرة، لأن الله تعالى يبلو بالنعمة كما يبلو بالمصيبة. أو اختبار ظاهر لننظر كيف تعملون، كقوله تعالى {وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ}.

  {إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ ٣٤ إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ ٣٥ فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ٣٦}