الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الدخان

صفحة 282 - الجزء 4

  صبّت عليه صروف الدّهر من صبب

  وكقوله تعالى {أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً} فذكر العذاب معلقا به الصب، مستعارا له، ليكون أهول وأهيب يقال {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} على سبيل الهزؤ والتهكم بمن كان يتعزز ويتكرم على قومه. وروى أنّ أبا جهل قال لرسول الله ÷: ما بين جبليها أعز ولا أكرم منى، فو الله ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بى شيئا. وقرئ: إنك، بمعنى: لأنك. وعن الحسن ابن على ® أنه قرأ به على المنبر {إِنَّ هذا} العذاب. أو إن هذا الأمر هو {ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} أى تشكون. أو تتمارون وتتلاجون.

  {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ ٥١ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ٥٢ يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ ٥٣ كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ٥٤ يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ ٥٥} {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ ٥٦ فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ٥٧}

  قرئ: في مقام، بالفتح: وهو موضع القيام، والمراد المكان، وهو من الخاص الذي وقع مستعملا في معنى العموم. وبالضم: وهو موضع الإقامة. و {أَمِينٍ} من قولك: أمن الرجل أمانة فهو أمين. وهو ضد الخائن، فوصف به المكان استعارة، لأنّ المكان المخيف كأنما يخون صاحبه بما يلقى فيه من المكاره. قيل: السندس: ما رق من الديباج. والإستبرق: ما غلظ منه وهو تعريب استبر. فإن قلت: كيف ساغ أن يقع في القرآن العربي المبين لفظ أعجمى؟ قلت: إذا عرب خرج من أن يكون عجميا، لأن معنى التعريب أن يجعل عربيا بالتصرف فيه، وتغييره عن منهاجه، وإجرائه على أوجه الإعراب {كَذلِكَ} الكاف مرفوعة على: الأمر كذلك. أو منصوب على: مثل ذلك أثبناهم {وَزَوَّجْناهُمْ} وقرأ عكرمة: بحور عين، على الإضافة: والمعنى: بالحور من العين، لأن العين إما أن تكون حورا أو غير حور، فهؤلاء