الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الأحقاف

صفحة 302 - الجزء 4

  وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ١٥ أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ ١٦}

  قرئ: حسنا، بضم الحاء وسكون السين. وبضمهما. وبفتحهما. وإحسانا. وكرها، بالفتح والضم، وهما لغتان في معنى المشقة، كالفقر والفقر. وانتصابه على الحال: أى: ذات كره. أو على أنه صفة للمصدر، أى: حملا ذا كره {وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ} ومدّة حمله وفصاله {ثَلاثُونَ شَهْراً} وهذا دليل على أن أقل الحمل ستة أشهر، لأن مدّة الرضاع إذا كانت حولين لقوله ø {حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ} بقيت للحمل ستة أشهر. وقرئ: وفصله. والفصل والفصال: كالفطم والفطام، بناء ومعنى. فإن قلت: المراد بيان مدّة الرضاع لا الفطام، فكيف عبر عنه بالفصال؟ قلت: لما كان الرضاع يليه الفصال ويلابسه لأنه ينتهى به ويتم: سمى فصالا، كما سمى المدّة بالأمد من قال:

  كل حى مستكمل مدّة العمر ... ومود إذا انتهى أمده

  وفيه فائدة وهي الدلالة على الرضاع التام المنتهى بالفصال ووقته. وقرئ: حتى إذا استوى وبلغ أشدّه. وبلوغ الأشد: أن يكتهل ويستوفى السنّ التي تستحكم فيها قوّته وعقله وتمييزه، وذلك إذا أناف على الثلاثين وناطح الأربعين. وعن قتادة: ثلاث وثلاثون سنة، ووجهه أن يكون ذلك أوّل الأشد، وغايته الأربعين. وقيل: لم يبعث نبىّ قط إلا بعد أربعين سنة. والمراد بالنعمة التي استوزع الشكر عليها: نعمة التوحيد والإسلام، وجمع بين شكرى النعمة عليه وعلى والديه، لأن النعمة عليهما نعمة عليه. وقيل في العمل المرضى: هو الصلوات الخمس. فإن قلت: ما معنى {فِي} في قوله {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي}؟ قلت: معناه: أن يجعل ذرّيته موقعا للصلاح ومظنة له كأنه قال: هب لي الصلاح في ذرّيتى وأوقعه فيهم ونحوه:

  يجرح في عراقيبها نصلى

  {مِنَ الْمُسْلِمِينَ} من المخلصين. وقرئ: يتقبل، ويتجاوز، بفتح الياء، والضمير فيهما لله عز