الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الأحقاف

صفحة 304 - الجزء 4

  عما يقول محمد، ويشهدوا لبطلانه أن المراد بالذي قال: جنس القائلين ذلك، وأنّ قوله الذين حق عليهم القول: هم أصحاب النار، وعبد الرحمن كان من أفاضل المسلمين وسرواتهم. وعن عائشة ^ إنكار نزولها فيه، وحين كتب معاوية إلى مروان بأن يبايع الناس ليزيد قال عبد الرحمن: لقد جئتم بها هرقلية: تبايعون لأبنائكم، فقال مروان: يا أيها الناس، هو الذي قال الله فيه {وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما} فسمعت عائشة فغضبت وقالت: والله ما هو به، ولو شئت أن أسميه لسميته ولكن الله لعن أباك وأنت في صلبه، فأنت فضض من لعنة الله. وقرئ: أف، بالكسر والفتح بغير تنوين، وبالحركات الثلاث مع التنوين، وهو صوت إذا صوت به الإنسان علم أنه متضجر، كما إذا قال: حس، علم منه أنه متوجع، واللام للبيان، معناه: هذا التأفيف لكما خاصة، ولأجلكما دون غير كما. وقرئ: أتعدانني: بنونين. وأ تعداني: بأحدهما. وأ تعداني: بالإدغام. وقد قرأ بعضهم: أتعدانني بفتح النون، كأنه استثقل اجتماع النونين والكسرتين والياء، ففتح الأولى تحريا للتخفيف، كما تحراه من أدغم ومن أطرح أحدهما {أَنْ أُخْرَجَ} أن ابعث وأخرج من الأرض. وقرئ: أخرج {وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي} يعنى: ولم يبعث منهم أحد {يَسْتَغِيثانِ اللهَ} يقولان: الغياث بالله منك ومن قولك، وهو استعظام لقوله {وَيْلَكَ} دعاء عليه بالثبور: والمراد به الحث والتحريض على الإيمان لا حقيقة الهلاك {فِي أُمَمٍ} نحو قوله {فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ} وقرئ: أن، بالفتح، على معنى: آمن بأن وعد الله حق.

  {وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ١٩}

  {وَلِكُلٍ} من الجنسين المذكورين {دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} أى منازل ومراتب من جزاء ما عملوا من الخير والشر، ومن أجل ما عملوا منهما. فإن قلت: كيف قيل: درجات، وقد جاء: الجنة درجات والنار دركات؟ قلت: يجوز أن يقال ذلك على وجه التغليب، لاشتمال كل على الفريقين {وَلِيُوَفِّيَهُمْ} وقرئ: بالنون تعليل معلله محذوف لدلالة الكلام عليه، كأنه قيل: