سورة محمد ÷
  أنهار، وكأن قائلا قال: وما مثلها؟ فقيل: فيها أنهار، وأن يكون في موضع الحال، أى: مستقرّة فيها أنهار، وفي قراءة على رضى الله عنه: أمثال الجنة، أى: ما صفاتها كصفات النار. وقرئ: أسن. يقال: أسن الماء وأجن: إذا تغير طعمه وريحه. وأنشد ليزيد بن معاوية:
  لقد سقتني رضابا غير ذى أسن ... كالمسك فتّ على ماء العناقيد
  {مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} كما تتغير ألبان الدنيا، فلا يعود قارصا ولا حاذرا، ولا ما يكره من الطعوم {لَذَّةٍ} تأنيث لذّ، وهو اللذيذ، أو وصف بمصدر. وقرئ بالحركات الثلاث، فالجر على صفه الخمر، والرفع على صفة الأنهار، والنصب على العلة، أى: لأجل لذة الشاربين. والمعنى: ما هو إلا التلذذ الخالص، ليس معه ذهاب عقل ولا خمار ولا صداع، ولا آفة من آفات الخمر {مُصَفًّى} لم يخرج من بطون النحل فيخالطه الشمع وغيره {ماءً حَمِيماً} قيل إذا دنا منهم شوى وجوههم، وانمازت فروة رءوسهم، فإذا شربوه قطع أمعاءهم.
  {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ ١٦}
  هم المنافقون: كانوا يحضرون مجلس رسول الله ÷ فيسمعون كلامه ولا يعونه ولا يلقون له إلا تهاونا منهم، فإذا خرجوا قالوا لأولى العلم من الصحابة، ما ذا قال الساعة؟ على جهة الاستهزاء. وقيل: كان يخطب فإذا عاب المنافقين خرجوا فقالوا ذلك للعلماء. وقيل: قالوه لعبد الله بن مسعود. وعن ابن عباس: أنا منهم، وقد سميت فيمن سئل {آنِفاً} وقرئ: أنفا على فعل، نصب على الظرف قال الزجاج: هو من استأنفت الشيء: إذا ابتدأته. والمعنى: ما ذا قال في أوّل وقت يقرب منا.
  {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ ١٧}
  {زادَهُمْ} الله {هُدىً} بالتوفيق {وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ} أعانهم عليها. أو أتاهم جزاء تقواهم.