سورة الحجرات
  معمولا عليه، بدليل قوله {فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ} كقولك: فلان يقرى الضيف ويحمى الحريم، تريد: أنه مما اعتاده ووجد منه مستمرّا. فإن قلت: كيف موقع {لكِنْ} وشريطتها مفقودة: من مخالفة ما بعدها لما قبلها نفيا وإثباتا؟ قلت: هي مفقودة من حيث اللفظ، حاصلة من حيث المعنى؛ لأن الذين حبب إليهم الإيمان قد غايرت صفتهم صفة المتقدّم ذكرهم، فوقعت، لكنّ في حاق موقعها من الاستدراك. ومعنى تحبيب الله وتكريهه اللطف والإمداد بالتوفاق، وسبيله الكناية كما سبق، وكل ذى لب وراجع إلى بصيرة وذهن لا يغبى عليه أن الرجل لا يمدح بغير فعله، وحمل الآية على ظاهرها يؤدّى إلى أن يثنى عليهم بفعل الله، وقد نفى الله هذا عن الذين أنزل فيهم {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا} فإن قلت: فإنّ العرب تمدح بالجمال وحسن الوجوه، وذلك فعل الله، وهو مدح مقبول عند الناس غير مردود. قلت: الذي سوّغ ذلك لهم أنهم رأوا حسن الرواء وو سامة المنظر في الغالب، يسفر عن مخبر مرضى وأخلاق محمودة ومن ثم قالوا: أحسن ما في الدميم وجهه، فلم يجعلوه من صفات المدح لذاته، ولكن لدلالته على غيره. على أن من محققة الثقات وعلماء المعاني من دفع صحة ذلك وخطأ المادح به، وقصر المدح على النعت بأمّهات الخير: وهي الفصاحة والشجاعة والعدل والعفة، وما يتشعب منها ويرجع إليها، وجعل الوصف بالجمال والثروة وكثرة الحفدة والأعضاد وغير ذلك مما ليس