الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة ق

صفحة 381 - الجزء 4

  {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ ٦}

  {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا} حين كفروا بالبعث إلى آثار قدرة الله في خلق العالم {بَنَيْناها} رفعناها بغير عمد {مِنْ فُرُوجٍ} من فتوق: يعنى أنها ملساء سليمة من العيوب لا فتق فيها ولا صدع ولا خلل، كقوله تعالى: {هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ}.

  {وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ٧ تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ٨}

  {مَدَدْناها} دحوناها {رَواسِيَ} جبالا ثوابت لو لا هي لتكفأت {مِنْ كُلِّ زَوْجٍ} من كل صنف {بَهِيجٍ} يبتهج به لحسنه {تَبْصِرَةً وَذِكْرى} لتبصر به ونذكر كل {عَبْدٍ مُنِيبٍ} راجع إلى ربه، مفكر في بدائع خلقه. وقرئ: تبصرة وذكرى بالرفع، أى: خلقها تبصرة.

  {وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ٩ وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ ١٠ رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ ١١}

  {ماءً مُبارَكاً} كثير المنافع {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} وحب الزرع الذي من شأنه أن يحصد، وهو ما يقتات به من نحو الحنطة والشعير وغيرهما {باسِقاتٍ} طوالا في السماء: وفي قراءة رسول الله ÷: باصقات، بإبدال السين صادا لأجل القاف {نَضِيدٌ} منضود بعضه فوق بعض: إما أن يراد كثرة الطلع وتراكمه، أو كثرة ما فيه من الثمر {رِزْقاً} على أنبتناها رزقا، لأنّ الإنبات في معنى الرزق. أو على أنه مفعول له، أى: أنبتناها لنرزقهم {كَذلِكَ الْخُرُوجُ} كما حييت هذه البلدة الميتة، كذلك تخرجون أحياء بعد موتكم، والكاف في محل الرفع على الابتداء:

  {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ ١٢ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ ١٣ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ١٤}

  أراد بفرعون قومه كقوله تعالى {مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ} لأنّ المعطوف عليه قوم نوح، والمعطوفات جماعات {كُلٌ} يجوز أن يراد به كل واحد منهم، وأن يراد جميعهم، إلا أنه وحد