سورة ق
  {أَلْقِيا} خطاب من الله تعالى للملكين السابقين: السائق والشهيد: ويجوز أن يكون خطابا للواحد على وجهين: أحدهما قول المبرد: أن تثنية الفاعل نزلت منزلة تثنية الفعل لا تحادهما، كأنه قيل: ألق ألق: للتأكيد. والثاني: أنّ العرب أكثر ما يرافق الرجل منهم اثنان، فكثر على ألسنتهم أن يقولوا: خليلىّ وصاحبيّ، وقفا وأسعدا، حتى خاطبوا الواحد خطاب الاثنين عن الحجاج أنه كان يقول: يا حرسى، اضربا عنقه. وقرأ الحسن: ألقين، بالنون الخفيفة. ويجوز أن تكون الألف في {أَلْقِيا} بدلا من النون: إجراء للوصل مجرى الوقف {عَنِيدٍ} معاند مجانب للحق معاد لأهله {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} كثير المنع للمال عن حقوقه، جعل ذلك عادة له لا يبذل منه شيئا قط. أو مناع لجنس الخير أن يصل إلى أهله يحول بينه وبينهم. قيل: نزلت في الوليد بن المغيرة، كان يمنع بنى أخيه من الإسلام، وكان يقول: من دخل منكم فيه لم أنفعه بخير ما عشت {مُعْتَدٍ} ظالم متخط للحق {مُرِيبٍ} شاك في الله وفي دينه {الَّذِي جَعَلَ} مبتدأ مضمن معنى الشرط، ولذلك أجيب بالفاء. ويجوز أن يكون {الَّذِي جَعَلَ} منصوبا بدلا من {كُلَّ كَفَّارٍ} ويكون {فَأَلْقِياهُ} تكريرا للتوكيد.
  {قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ٢٧}
  فإن قلت: لم أخليت هذه الجملة عن الواو وأدخلت على الأولى؟ قلت: لأنها استؤنفت كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول كما رأيت في حكاية المقاولة بين موسى وفرعون. فإن قلت، فأين التقاول هاهنا؟ قلت: لما قال قرينه {هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ} وتبعه قوله {قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ} وتلاه {لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ}: علم أنّ ثم مقاولة من الكافر، لكنها طرحت لما يدل عليها، كأنه قال: رب هو أطغانى، فقال قرينه: ربنا ما أطغيته. وأمّا الجملة الأولى فواجب عطفها للدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها في الحصول، أعنى مجيء كل نفس مع الملكين: وقول قرينه ما قال له {ما أَطْغَيْتُهُ} ما جعلته طاغيا، وما أوقعته في الطغيان، ولكنه طغى واختار الضلالة على الهدى كقوله تعالى: {وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي}.
  {قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ٢٨ ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ٢٩}
  {قالَ لا تَخْتَصِمُوا} استئناف مثل قوله {قالَ قَرِينُهُ} كأن قائلا قال: فما ذا قال الله؟ فقيل: قال لا تختصموا. والمعنى: لا تختصموا في دار الجزاء وموقف الحساب، فلا فائدة في اختصامكم ولا طائل تحته، وقد أوعدتكم بعذابي على الطغيان في كتبي وعلى ألسنة رسلي، فما تركت لكم