الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة النجم

صفحة 420 - الجزء 4

  وقد جعلتني من حزيمة أصبعا

  فإن قلت: كيف تقدير قوله {فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ}؟ قلت: تقديره فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب قوسين، فحذفت هذه المضافات كما قال أبو على في قوله: وقد جعلتني من حزيمة أصبعا أى: ذا مقدار مسافة أصبع {أَوْ أَدْنى} أى على تقديركم، كقوله تعالى {أَوْ يَزِيدُونَ}. {إِلى عَبْدِهِ} إلى عبد الله، وإن لم يجر لاسمه ø ذكر، لأنه لا يلبس، كقوله {عَلى ظَهْرِها}. {ما أَوْحى} تفخيم للوحى الذي أوحى إليه: قيل أوحى إليه «إنّ الجنة محرّمة على الأنبياء حتى تدخلها وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك» {ما كَذَبَ} فؤاد محمد ÷ ما رآه ببصره من صورة جبريل #، أى: ما قال فؤاده لما رآه: لم أعرفك، ولو قال ذلك لكان كاذبا، لأنه عرفه، يعنى: أنه رآه بعينه وعرفه بقلبه، ولم يشك في أنّ ما رآه حق وقرئ: ما كذب، أى صدقه ولم يشك أنه جبريل # بصورته {أَفَتُمارُونَهُ} من المراء وهو الملاحاة والمجادلة واشتقاقه من مرى الناقة، كأن كل واحد من المتجادلين يمرى ما عند صاحبه. وقرئ: أفتمرونه: أفتغلبونه في المراء، من ماريته فمريته، ولما فيه من معنى الغلبة عدّى بعلى، كما تقول: غلبته على كذا: وقيل: أفتمرونه: أفتجحدونه. وأنشدوا:

  لئن هجوت أخا صدق ومكرمة ... لقد مريت أخا ما كان يمريكا