الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة القمر

صفحة 432 - الجزء 4

  النُّذُرُ ٥ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ ٦ خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ ٧}

  {مِنَ الْأَنْباءِ} من القرآن المودع أنباء القرون الخالية أو أنباء الآخرة، وما وصف من عذاب الكفار {مُزْدَجَرٌ} ازدجار أو موضع ازدجار. والمعنى: هو في نفسه موضع الازدجار ومظنة له، كقوله تعالى {لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} أى هو أسوة. وقرئ مزدجر بقلب تاء الافتعال زايا وإدغام الزاى فيها {حِكْمَةٌ بالِغَةٌ} بدل من ما. أو على: هو حكمة. وقرئ بالنصب حالا من ما. فإن قلت: إن كانت ما موصولة ساغ لك أن تنصب حكمة حالا، فكيف تعمل إن كانت موصوفة؟ وهو الظاهر. قلت: تخصصها الصفة: فيحسن نصب الحال عنها {فَما تُغْنِ النُّذُرُ} نفى أو إنكار. وما منصوبة، أى: فأى غناء تغنى النذر {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} لعلمك أن الإنذار لا يغنى فيهم. نصب {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} بيخرجون، أو بإضمار اذكر. وقرئ بإسقاط الياء اكتفاء بالكسرة عنها، والداعي إسرافيل أو جبريل، كقوله تعالى {يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ}. {إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ} منكر فظيع تنكره النفوس لأنها لم تعهد بمثله وهو هول يوم القيامة. وقرئ: نكر بالتخفيف، ونكر بمعنى أنكر {خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ} حال من الخارجين فعل للأبصار وذكر، كما تقول: يخشع أبصارهم. وقرئ: خاشعة، على: تخشع أبصارهم. وخشعا، على: يخشعن أبصارهم، وهي لغة من يقول: أكلونى البراغيث، وهم طيئ. ويجوز أن يكون في {خُشَّعاً} ضميرهم، وتقع {أَبْصارُهُمْ} بدلا عنه. وقرئ. خشع أبصارهم، على الابتداء والخبر، ومحل الجملة النصب على الحال. كقوله:

  وجدته حاضراه الجود والكرم

  وخشوع الأبصار: كناية عن الذلة والانخزال، لأن ذلة الذليل وعزة العزيز تظهران في عيونهما. وقرئ: يخرجون من الأجداث: من القبور {كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ} الجراد مثل في الكثرة والتموّج. يقال في الجيش الكثير المائج بعضه في بعض: جاءوا كالجراد، وكالدبا منتشر في كل مكان لكثرته {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} مسرعين مادّى أعناقهم إليه. وقيل: ناظرين إليه لا يقلعون بأبصارهم. قال: