الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الواقعة

صفحة 466 - الجزء 4

  {أَفَرَأَيْتُمْ ...} الآية. والحطام: من حطم، كالفتات والجذاذ من فت وجذ: وهو ما صار هشيما وتحطم {فَظَلْتُمْ} وقرئ بالكسر. وفظللتم على الأصل {تَفَكَّهُونَ} تعجبون. وعن الحسن رضى الله عنه: تندمون على تعبكم فيه وإنفاقكم عليه. أو على ما اقترفتم من المعاصي التي أصبتم يذلك من أجلها. وقرئ: تفكنون. ومنه الحديث «مثل العالم كمثل الحمة يأتيها البعداء ويتركها القرباء فبيناهم إذ غار ماؤها فانتفع بها قوم وبقي قوم يتفكنون» أى: يتندمون {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} لملزمون غرامة ما أنفقنا. ومهلكون لهلاك رزقنا، من الغرام: وهو الهلاك {بَلْ نَحْنُ} قوم {مَحْرُومُونَ} محارفون محدودون، لاحظ لنا ولا بخت لنا، ولو كنا مجدودين، لما جرى علينا هذا. وقرئ: أئنا.

  {أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ ٦٨ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ ٦٩ لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ ٧٠}

  {الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ} يريد: الماء العذب الصالح للشرب. و {الْمُزْنِ} السحاب: الواحدة مزنة. وقيل: هو السحاب الأبيض خاصة، وهو أعذب ماء {أُجاجاً} ملحا زعاقا لا يقدر على شربه. فإن قلت: لم أدخلت اللام على جواب {لَوْ} في قوله {لَجَعَلْناهُ حُطاماً} ونزعت منه هاهنا؟ قلت: إنّ «لو» لما كانت داخلة على جملتين معلقة ثانيتهما بالأولى تعلق الجزاء بالشرط، ولم تكن مخلصة للشرط كإن ولا عاملة مثلها، وإنما سرى فيها معنى الشرط اتفاقا من حيث إفادتها في مضمونى جملتيها أنّ الثاني امتنع لامتناع الأوّل: افتقرت في جوابها إلى ما ينصب علما على هذا التعلق، فزيدت هذه اللام لتكون علما على ذلك، فإذا حذفت بعد ما صارت علما مشهورا مكانه، فلأن الشيء إذا علم وشهر موقعه وصار مألوفا ومأنوسا به: لم يبال بإسقاطه عن اللفظ، استغناء بمعرفة السامع. ألا ترى إلى ما يحكى عن رؤبة أنه كان يقول: خير، لمن قال له: كيف أصبحت؟ فحذف الجار لعلم كل أحد بمكانه. وتساوى حالى حذفه وإثباته لشهرة أمره. وناهيك بقول أوس:

  حتى إذا الكلّاب قال لها ... كاليوم مطلوبا ولا طلبا