الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الحشر

صفحة 501 - الجزء 4

  كأنّ قتودى فوقها عشّ طائر ... على لينة سوقاء تهفو جنوبها

  وجمعها لين. وقرئ: قوّما، على أصلها. وفيه وجهان: أنه جمع أصل كرهن ورهن. أو اكتفى فيه بالضمة عن الواو. وقرئ: قائما على أصوله ذهابا إلى لفظ ما {فَبِإِذْنِ اللهِ} فقطعها بإذن الله وأمره {وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ} ولبذل اليهود ويغيظهم إذن في قطعها، وذلك أنّ رسول الله ÷ حين أمر أن تقطع نخلهم وتحرق قالوا: يا محمد، قد كنت تنهى عن الفساد في الأرض، فما بال قطع النخل وتحريقها؟ فكان في نفس المؤمنين من ذلك شيء. فنزلت، يعنى: أنّ الله أذن لهم في قطعها ليزيدكم غيظا ويضاعف لكم حسرة إذا رأيتموهم يتحكمون في أموالكم كيف أحبوا ويتصرفون فيها ما شاءوا. واتفق العلماء أنّ حصون الكفرة وديارهم لا بأس بأن تهدم وتحرق وتغرق وترمى بالمجانيق، وكذلك أشجارهم لا بأس بقلعها مثمرة كانت أو غير مثمرة. وعن ابن مسعود: قطعوا منها ما كان موضعا للقتال. فإن قلت: لم خصت اللينة بالقطع؟ قلت: إن كانت من الألوان فليستبقوا لأنفسهم العجوة والبرنية، وإن كانت من كرام النخل فليكون غيظ اليهود أشد وأشق. وروى أن رجلين كانا يقطعان: أحدهما العجوة، والآخر اللون، فسألهما رسول الله ÷ فقال هذا: تركتها لرسول الله، وقال هذا: قطعتها غيظا للكفار. وقد استدل به على جواز الاجتهاد، وعلى جوازه بحضرة الرسول ÷، لأنهما بالاجتهاد فعلا ذلك،