الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الممتحنة

صفحة 520 - الجزء 4

  {وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَ} وقرئ: يقتلن، بالتشديد، يريد: وأد البنات {وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَ} كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها: هو ولدى منك. كنى بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها عن الولد الذي تلصقه بزوجها كذبا، لأنّ بطنها الذي تحمله فيه بين اليدين، وفرجها الذي تلده به بين الرجلين {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} فيما تأمرهن به من المحسنات وتنهاهنّ عنه من المقبحات. وقيل: كل ما وافق طاعة الله فهو معروف. فإن قلت: لو اقتصر على قوله {وَلا يَعْصِينَكَ} فقد علم أن رسول الله ÷ لا يأمر إلا بمعروف؟ قلت: نبه بذلك على أنّ طاعة المخلوق في معصية الخالق جديرة بغاية التوقي والاجتناب. وروى أنّ رسول الله ÷ لما فرغ يوم فتح مكة من بيعة الرجال: أخذ في بيعة النساء وهو على الصفا وعمر بن الخطاب ¥ أسفل منه يبايعهن بأمره ويبلغهن عنه، وهند بنت عتبة امرأة أبى سفيان متقنعة متنكرة خوفا من رسول الله ÷ أن يعرفها فقال عليه الصلاة والسلام: «أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا فرفعت هند رأسها وقالت: والله لقد عبدنا الأصنام وإنك لتأخذ علينا أمرا ما رأيناك أخذته على الرجال تبايع الرجال على الإسلام والجهاد، فقال عليه الصلاة والسلام: و «لا يسرقن» فقالت: إنّ أبا سفيان رجل شحيح، وإنى أصبت من ماله هنات، فما أدرى، أتحل لي أم لا. فقال أبو سفيان: ما أصبت من شيء فيما مضى وفيما غبر فهو لك حلال، فضحك رسول الله ÷ وعرفها فقال لها: وإنّك لهند بنت عتبة؟ قالت: نعم فاعف عما سلف يا نبى الله عفا الله عنك، فقال: «ولا يزنين»، فقالت: أو تزنى الحرة؟ وفي رواية: ما زنت منهن امرأة قط، فقال عليه الصلاة والسلام «ولا يقتلن أولادهن» فقالت: ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا فأنتم وهم أعلم، وكان ابنها حنظلة بن أبى سفيان قد قتل يوم بدر، فضحك عمر حتى استلقى، وتبسم رسول الله ÷ فقال: «ولا يأتين ببهتان» فقالت: والله إنّ البهتان لأمر قبيح، وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق، فقال: «ولا يعصينك في معروف» فقالت: والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء. وقيل في كيفية