الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الصف

صفحة 524 - الجزء 4

  {وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ ٥}

  {وَإِذْ} منصوب بإضمار اذكر. أو: وحين قال لهم ما قال كان كذا وكذا {تُؤْذُونَنِي} كانوا يؤذونه بأنواع الأذى من انتقاصه وعيبه في نفسه، وجحود آياته، وعصيانه فيما تعود إليهم منافعه، وعبادتهم البقر، وطلبهم رؤية الله جهرة، والتكذيب الذي هو تضييع حق الله وحقه {وَقَدْ تَعْلَمُونَ} في موضع الحال، أى: تؤذوننى عالمين علما يقينا {أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ} وقضية علمكم بذلك وموجبه تعظيمي وتوقيري، لا أن تؤذوني وتستهينوا بى، لأن من عرف الله وعظمته عظم رسوله، علما بأن تعظيمه في تعظيم رسوله، ولأن من آذاه كان وعيد الله لا حقا به {فَلَمَّا زاغُوا} عن الحق {أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ} بأن منع ألطافه عنهم {وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ} لا يلطف بهم لأنهم ليسوا من أهل اللطف. فإن قلت: ما معنى {قَدْ} في قوله {قَدْ تَعْلَمُونَ}؟ قلت: معناه التوكيد كأنه قال: وتعلمون علما يقينا لا شبهة لكم فيه.

  {وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ ٦}