الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة ن

صفحة 586 - الجزء 4

  الجنون. أو بأى الفريقين منكم الجنون، أبفريق المؤمنين أم بفريق الكافرين؟ أى: في أيهما يوجد من يستحق هذا الاسم: وهو تعريض بأبى جهل بن هشام والوليد بن المغيرة وأضرابهما، وهذا كقوله تعالى {سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ}.

  {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ٧ فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ ٨ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ٩}

  {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ} بالمجانين على الحقيقة، وهم الذين ضلوا عن سبيله {وَهُوَ أَعْلَمُ} بالعقلاء وهم المهتدون. أو يكون وعيدا ووعدا، وأنه أعلم بجزاء الفريقين {فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ} تهييج وإلهاب للتصميم على معاصاتهم، وكانوا قد أرادوه على أن يعبد الله مدة، وآلهتهم مدة، ويكفوا عنه غوائلهم {لَوْ تُدْهِنُ} لو تلين وتصانع {فَيُدْهِنُونَ}. فإن قلت: لم رفع {فَيُدْهِنُونَ} ولم ينصب بإضمار «أن» وهو جواب التمني؟ قلت: قد عدل به إلى طريق آخر: وهو أن جعل خبر مبتدإ محذوف، أى: فهم يدهنون، كقوله تعالى {فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ} على معنى: ودوا لو تدهن فهم يدهنون حينئذ. أو ودوا إدهانك فهم الآن يدهنون، لطمعهم في إدهانك. قال سيبويه: وزعم هرون أنها في بعض المصاحف ودوا لو تدهن فيدهنوا.

  {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ ١٠ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ١١ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ١٢ عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ ١٣ أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ ١٤}

  {إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ١٥ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ١٦}

  {حَلَّافٍ} كثير الحلف في الحق والباطل، وكفى به مزجرة لمن اعتاد الحلف. ومثله قوله تعالى {وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ}. {مَهِينٍ} من المهانة وهي القلة والحقارة، يريد القلة في الرأى والتمييز. أو أراد الكذاب لأنه حقير عند الناس {هَمَّازٍ} عياب طعان. وعن الحسن. يلوى شدقيه في أقفية الناس {مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} مضرب نقال للحديث من قوم إلى قوم على وجه السعاية والإفساد بينهم. والنميم والنميمة: السعاية، وأنشدنى بعض العرب: