الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة ن

صفحة 591 - الجزء 4

  خيرها ومنافعها، أى: غدوا حاصلين على الحرمان مكان الانتفاع، أو لما قالوا اغدوا على حرثكم وقد خبثت نيتهم: عاقبهم الله بأن حاردت جنتهم وحرموا خيرها، فلم يغدوا على حرث وإنما غدوا على حرد. و {قادِرِينَ} من عكس الكلام للتهكم، أى: قادرين على ما عزموا عليه من الصرام وحرمان المساكين، وعلى حرد ليس بصلة قادرين، وقيل: الحرد بمعنى الحرد. وقرئ: على حرد، أى لم يقدروا إلا على حنق وغضب بعضهم على بعض، كقوله تعالى {يَتَلاوَمُونَ} وقيل: الحرد القصد والسرعة، يقال: حردت حردك. وقال:

  أقبل سيل جاء من أمر الله ... يحرد حرد الجنّة المغلّه

  وقطا حراد: سراع، يعنى: وغدوا قاصدين إلى جنتهم بسرعة ونشاط، قادرين عند أنفسهم، يقولون: نحن نقدر على صرامها وزى منفعتها عن المساكين. وقيل {حَرْدٍ} علم للجنة، أى غدوا على تلك الجنة قادرين على صرامها عند أنفسهم. أو مقدرين أن يتم لهم مرادهم من الصرام والحرمان {قالُوا} في بديهة وصولهم {إِنَّا لَضَالُّونَ} أى ضللنا جنتنا، وما هي بها لما رأوا من هلاكها، فلما تأملوا وعرفوا أنها هي قالوا {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} حرمنا خيرها لجنايتنا على أنفسنا {أَوْسَطُهُمْ} أعدلهم وخيرهم، من قولهم: هو من سطة قومه، وأعطنى من سطات مالك. ومنه قوله تعالى {أُمَّةً وَسَطاً}. {لَوْ لا تُسَبِّحُونَ} لو لا تذكرون الله وتتوبون إليه من خبث نيتكم، كأن أوسطهم قال لهم حين عزموا على ذلك: اذكروا الله وانتقامه من المجرمين، وتوبوا عن هذه العزيمة الخبيثة من فوركم، وسارعوا إلى حسم شرها قبل حلول النقمة، فعصوه فعيرهم. والدليل عليه قولهم {سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ} فتكلموا بما كان يدعوهم إلى التكلم به على أثر مقارفة الخطيئة، ولكن بعد خراب البصرة. وقيل: المراد بالتسبيح. الاستثناء لالتقائهما في معنى التعظيم لله، لأنّ الاستثناء تفويض إليه، والتسبيح تنزيه له، وكل واحد من التفويض والتنزيه تعظيم. وعن الحسن: هو الصلاة، كأنهم كانوا يتوانون في الصلاة، وإلا لنهتهم عن الفحشاء والمنكر، ولكانت لهم لطفا في أن يستثنوا ولا يحرموا {سُبْحانَ رَبِّنا} سبحوا الله ونزهوه عن الظلم وعن كل قبيح، ثم اعترفوا بظلمهم في منع المعروف وترك الاستثناء {يَتَلاوَمُونَ} يلوم بعضهم بعضا، لأنّ منهم من زين، ومنهم من قبل، ومنهم من أمر بالكف وعذر