الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة المعارج

صفحة 612 - الجزء 4

  {إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً ١٩ إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً ٢٠ وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ٢١ إِلاَّ الْمُصَلِّينَ ٢٢ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ ٢٣ وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ٢٤ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ٢٥ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ٢٦ وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ٢٧ إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ٢٨ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ ٢٩ إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ٣٠ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ٣١ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ ٣٢ وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ ٣٣ وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ ٣٤ أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ٣٥}

  أريد بالإنسان الناس، فلذلك استثنى منه إلا المصلين. والهلع: سرعة الجزع عند مسّ المكروه وسرعة المنع عند مسّ الخير، من قولهم: ناقة هلواع سريعة السير. وعن أحمد بن يحيى قال لي محمد بن عبد الله بن طاهر: ما الهلع؟ فقلت: قد فسره الله، ولا يكون تفسير أبين من تفسيره، وهو الذي إذا ناله شر أظهر شدّة الجزع، وإذا ناله خير بخل به ومنعه الناس. والخير: المال والغنى، والشرّ: الفقر. أو الصحة والمرض: إذا صحّ الغنى منع المعروف وشحّ بماله، وإذا مرض جزع وأخذ يوصى. والمعنى: إن الإنسان لإيثاره الجزع والمنع وتمكنهما منه ورسوخهما فيه، كأنه مجبول عليهما مطبوع، وكأنه أمر خلقي وضروري غير اختيارى، كقوله تعالى {خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ} والدليل عليه أنه حين كان في البطن والمهد لم يكن به هلع، ولأنه ذمّ والله لا يذمّ فعله، والدليل عليه: استثناء المؤمنين الذين جاهدوا أنفسهم وحملوها على المكاره وظلّفوها عن الشهوات، حتى لم يكونوا جازعين ولا مانعين. وعن النبي ÷ «شرّ ما أعطى ابن آدم شحّ هالع وجبن خالع» فإن قلت: كيف قال {عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ} ثم على صلاتهم يحافظون؟ قلت: معنى دوامهم عليها أن يواظبوا على أدائها لا يخلون بها ولا يشتغلون عنها بشيء من الشواغل، كما روى عن النبي ÷