سورة نوح
  ولو تأخر لكان صلة للوقار. وقوله {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً} في موضع الحال، كأنه قال: ما لكم لا تؤمنون بالله والحال هذه وهي حال موجبة للإيمان به، لأنه خلقكم أطوارا: أى تارات: خلقكم أوّلا ترابا، ثم خلقكم نطفا، ثم خلقكم علقا، ثم خلقكم مضغا، ثم خلقكم عظاما ولحما، ثم أنشأكم خلقا آخر. أو لا تخافون لله حلما وترك معاجلة العقاب فتؤمنوا؟ وقيل: ما لكم لا تخافون لله عظمة؟ وعن ابن عباس: لا تخافون لله عاقبة، لأن العاقبة حال استقرار الأمور وثبات الثواب والعقاب، من «وقر» إذا ثبت واستقرّ. نبههم على النظر في أنفسهم أوّلا، لأنها أقرب منظور فيه منهم، ثم على النظر في العالم وما سوّى فيه من العجائب الشاهدة على الصانع الباهر قدرته وعلمه من السماوات والأرض والشمس والقمر {فِيهِنَ} في السماوات، وهو في السماء الدنيا، لأنّ بين السماوات ملابسة من حيث أنها طباق فجاز أن يقال: فيهنّ كذا، وإن لم يكن في جميعهنّ، كما يقال: في المدينة كذا وهو في بعض نواحيها. وعن ابن عباس وابن عمر ®: أنّ الشمس والقمر وجوههما مما يلي السماء وظهورهما مما يلي الأرض {وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً} يبصر أهل الدنيا في ضوئها كما يبصر أهل البيت في ضوء السراج ما يحتاجون إلى إبصاره، والقمر ليس كذلك، إنما هو نور لم يبلغ قوّة ضياء الشمس. ومثله قوله تعالى {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً} والضياء: أقوى من النور. استعير الإنبات للإنشاء، كما يقال: زرعك الله للخير، وكانت هذه الاستعارة أدلّ على الحدوث، لأنهم إذا كانوا نباتا كانوا محدثين لا محالة حدوث النبات: ومنه قيل للحشوية: النابتة والنوابت، لحدوث مذهبهم في الإسلام من غير أوّلية لهم فيه. ومنه قولهم: نجم فلان لبعض المارقة. والمعنى:
  أنبتكم فنبتم نباتا. أو نصب بأنبتكم لتضمنه معنى نبتم {ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها} مقبورين ثم {يُخْرِجُكُمْ} يوم القيامة، وأكده بالمصدر كأنه قال يخرجكم حقا ولا محالة. جعلها بساطا مبسوطة تتقلبون عليها كما يتقلب الرجل على بساطه {فِجاجاً} واسعة منفجة.