سورة الجن
  قلت: أى فائدة: في رفع الفعل وتقدير مبتدإ قبله حتى يقع خبرا له ووجوب إدخال الفاء، وكان ذلك كله مستغنى عنه بأن يقال. لا يخف؟ قلت: الفائدة فيه أنه إذا فعل ذلك، فكأنه قيل: فهو لا يخاف، فكان دالا على تحقيق أنّ المؤمن ناج لا محالة وأنه هو المختص بذلك دون غيره وقرأ الأعمش: فلا يخف، على النهى {بَخْساً وَلا رَهَقاً} أى جزاء بخس ولا رهق، لأنه لم يبخس أحدا حقا ولا رهق ظلم أحد فلا يخاف جزاءهما. وفيه دلالة على أن من حق من آمن بالله أن يجتنب المظالم. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام «المؤمن من أمنه الناس على أنفسهم وأموالهم» ويجوز أن يراد: فلا يخاف أن يبخس بل يجزى الجزاء الأوفى، ولا أن ترهقه ذلة، من قوله ø {وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ}.
  {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً ١٤ وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً ١٥}
  {الْقاسِطُونَ} الكافرون الجائرون عن طريق الحق. وعن سعيد بن جبير رضى الله عنه: أنّ الحجاج قال له حين أراد قتله: ما تقول فىّ؟ قال: قاسط عادل، فقال القوم: ما أحسن ما قال، حسبوا أنه يصفه بالقسط والعدل، فقال الحجاج: يا جهلة، إنه سماني ظالما مشركا، وتلا لهم قوله تعالى {وَأَمَّا الْقاسِطُونَ} وقوله تعالى {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} وقد زعم من لا يرى للجن ثوابا أنّ الله تعالى أوعد قاسطيهم وما وعد مسلميهم، وكفى به وعدا أن قال {فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً} فذكر سبب الثواب وموجبه، والله أعدل من أن يعاقب القاسط ولا يثيب الراشد.
  {وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً ١٦ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً ١٧}
  {وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا} أن مخففة من الثقيلة، وهو من جملة الموحى. والمعنى: وأوحى إلىّ أن الشأن والحديث لو استقام الجن على الطريقة المثلى، أى: لو ثبت أبوهم الجان على ما كان