الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة عم يتساءلون

صفحة 685 - الجزء 4

  {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً ٦ وَالْجِبالَ أَوْتاداً ٧ وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً ٨ وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً ٩ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً ١٠ وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً ١١ وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً ١٢ وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً ١٣ وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً ١٤ لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً ١٥ وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً ١٦}

  فإن قلت: كيف اتصل به قوله {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً} قلت: لما أنكروا البعث قيل لهم: ألم يخلق من يضاف إليه البعث هذه الخلائق العجيبة الدالة على كمال القدرة، فما وجه إنكار قدرته على البعث، وما هو إلا اختراع كهذه الاختراعات. أو قيل لهم: ألم يفعل هذه الأفعال المتكاثرة. والحكيم لا يفعل فعلا عبثا، وما تنكرونه من البعث والجزاء مؤدّ إلى أنه عابث في كل ما فعل {مِهاداً} فراشا. وقرئ: مهدا. ومعناه: أنها لهم كالمهد للصبي: وهو ما يمهد له فينوّم عليه، تسمية للممهود بالمصدر، كضرب الأمير. أو وصفت بالمصدر. أو بمعنى: ذات مهد، أى: أرسيناها بالجبال كما يرسى البيت بالأوتاد {سُباتاً} موتا. والمسبوت: الميت، من السبت وهو القطع، لأنه مقطوع عن الحركة. والنوم: أحد التوفيين، وهو على بناء الأدواء. ولما جعل النوم موتا، جعل اليقظة معاشا، أى: حياة في قوله {وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً} أى: وقت معاش تستيقظون فيه وتتقلبون في حوائجكم ومكاسبكم. وقيل: السبات الراحة {لِباساً} يستركم عن العيون إذا أردتم هربا من عدوّ، أو بياتا له. أو إخفاء مالا تحبون الاطلاع عليه من كثير من الأمور.

  وكم لظلام اللّيل عندك من يد ... تخبّر أنّ المانويّة تكذب