سورة الفجر
  ولا أكرمنى إذا لم يهد لك. فإن قلت: فقد قال {فَأَكْرَمَهُ} فصحح إكرامه وأثبته، ثم أنكر قوله {رَبِّي أَكْرَمَنِ} وذمّه عليه، كما أنكر قوله {أَهانَنِ} وذمّه عليه. قلت: فيه جوابان، أحدهما: أنه إنما أنكر قوله ربى أكرمن وذمّه عليه، لأنه قال على قصد خلاف ما صححه الله عليه وأثبته، وهو قصده إلى أنّ الله أعطاه ما أعطاه إكراما له مستحقا مستوجبا على عادة افتخارهم وجلالة أقدارهم عندهم، كقوله {إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي} وإنما أعطاه الله على وجه التفضل من غير استيجاب منه له ولا سابقة مما لا يعتدّ الله إلا به، وهو التقوى دون الأنساب والأحساب التي كانوا يفتخرون بها ويرون استحقاق الكرامة من أجلها. والثاني: أن ينساق الإنكار والذّمّ إلى قوله {رَبِّي أَهانَنِ} يعنى أنه إذا تفضل عليه بالخير وأكرم به اعترف بتفضل الله وإكرامه، وإذا لم يتفضل عليه سمى ترك التفضل هوانا وليس بهوان، ويعضد هذا الوجه ذكر الإكرام في قوله {فَأَكْرَمَهُ} وقرئ: فقدر بالتخفيف والتشديد. وأكرمن، وأهانن: بسكون النون في الوقف، فيمن ترك الياء في الدرج مكتفيا منها بالكسرة.
  {كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ١٧ وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ ١٨ وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا ١٩ وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا ٢٠}
  {كَلَّا} ردع للإنسان عن قوله. ثم قال: بل هناك شرّ من القول. وهو: أنّ الله يكرمهم بكثرة المال، فلا يؤدّون ما يلزمهم فيه من إكرام اليتيم بالتفقد والمبرّة، وحض أهله