الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة آل عمران

صفحة 457 - الجزء 1

  سبيل الدين {وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا} وغزوا المشركين واستشهدوا. وقرئ: وقتلوا، بالتشديد. وقتلوا وقاتلوا - على التقديم - بالتخفيف والتشديد. وقتلوا، وقتلوا، على بناء الأول للفاعل والثاني للمفعول. وقتلوا، وقاتلوا، على بنائهما للفاعل {ثَواباً} في موضع المصدر المؤكد بمعنى إثابة أو تثويباً {مِنْ عِنْدِ اللهِ} لأن قوله: {لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ ....} {وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ} في معنى. لأثيبنهم. و {عِنْدَهُ} مثل: أن يختص به وبقدرته وفضله، لا يثيبه غيره ولا يقدر عليه، كما يقول الرجل: عندي ما تريد، يريد اختصاصه به وبملكه وإن لم يكن بحضرته. وهذا تعليم من الله كيف يدعى وكيف يبتهل إليه ويتضرّع. وتكرير {رَبَّنا} من باب الابتهال، وإعلام بما يوجب حسن الإجابة وحسن الإثابة، من احتمال المشاق في دين الله، والصبر على صعوبة تكاليفه، وقطع لأطماع الكسالى المتمنين عليه، وتسجيل على من لا يرى الثواب موصولا إليه، بالعمل بالجهل والغباوة. وروى عن جعفر الصادق رضى الله عنه: من حزبه أمر فقال خمس مرات (ربنا) أنجاه الله مما يخاف وأعطاه ما أراد، وقرأ هذه الآية. وعن الحسن: حكى الله عنهم أنهم قالوا خمس مرات (ربنا) ثم أخبر أنه استجاب لهم، إلا أنه أتبع ذلك رافع الدعاء وما يستجاب به، فلا بد من تقديمه بين يدي الدعاء.

  {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ ١٩٦ مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ ١٩٧}

  {لا يَغُرَّنَّكَ} الخطاب لرسول الله ÷ أو لكل أحد، أى لا تنظر إلى ما هم عليه من سعة الرزق والمضطرب ودرك العاجل وإصابة حظوظ الدنيا، ولا تغتر بظاهر ما ترى من تبسطهم في الأرض، وتصرفهم في البلاد يتكسبون ويتجرون وبتدهقنون. وعن ابن عباس: هم أهل مكة. وقيل: هم اليهود. وروى أن أناسا من المؤمنين كانوا يرون ما كانوا فيه من الخصب والرخاء ولين العيش فيقولون: إن أعداء الله فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع والجهد. فإن قلت: كيف جاز أن يغتر رسول الله ÷ بذلك حتى ينهى عن الاغترار