الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الأنفال

صفحة 199 - الجزء 2

  دونها شيء، فناداه العباس وهو في وثاقه: لا يصلح فقال له النبي ÷: لم؟ قال: لأنّ الله وعدك إحدى الطائفتين. وقد أعطاك ما وعدك، وكانت الكراهة من بعضهم لقوله {وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ}.

  {يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ٦}

  والحق الذي جادلوا فيه رسول الله ÷: تلقى النفير، لإيثارهم عليه تلقى العير {بَعْدَ ما تَبَيَّنَ} بعد إعلام رسول الله ÷ بأنهم ينصرون. وجدالهم: قولهم ما كان خروجنا إلا للعير، وهلا قلت لنا لنستعد ونتأهب؟ وذلك لكراهتهم القتال. ثم شبه حالهم في فرط فزعهم ورعبهم وهم يسار بهم إلى الظفر والغنيمة، بحال من يعتل إلى القتل ويساق على الصغار إلى الموت المتيقن، وهو مشاهد لأسبابه، ناظر إليها لا يشك فيها. وقيل: كان خوفهم لقلة العدد، وأنهم كانوا رجالة. وروى أنه ما كان فيهم إلا فارسان.

  {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ ٧}

  {إِذْ} منصوب بإضمار اذكر. و {أَنَّها لَكُمْ} بدل من إحدى الطائفتين. والطائفتان: العير والنفير. {غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ} العير، لأنه لم يكن فيها إلا أربعون فارسا، والشوكة كانت في النفير لعددهم وعدّتهم: والشوكة: الحدّة مستعارة من واحدة الشوك. ويقال: شوك القنا لشباها. ومنها قولهم: شائك السلاح، أى تتمنون أن تكون لكم العير، لأنها الطائفة التي لا حدّة لها ولا شدّة، ولا تريدون الطائفة الأخرى {أَنْ يُحِقَّ الْحَقَ} أن يثبته ويعليه {بِكَلِماتِهِ} بآياته المنزلة في محاربة ذات الشوكة، وبما أمر الملائكة من نزولهم للنصرة، وبما قضى من أسرهم وقتلهم وطرحهم في قليب بدر. والدابر الآخر: فاعل من دبر. إذا أدبر. ومنه دابرة الطائر. وقطع الدابر عبارة عن الاستئصال، يعنى أنكم تريدون الفائدة العاجلة وسفساف