الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الأنفال

صفحة 205 - الجزء 2

  والبنان: الأصابع، يريد الأطراف. والمعنى: فاضربوا المقاتل والشوى، لأنّ الضرب إما واقع على مقتل أو غير مقتل، فأمرهم بأن يجمعوا عليهم النوعين معاً. ويجوز أن يكون قوله {سَأُلْقِي} إلى قوله {كُلَّ بَنانٍ} عقيب قوله {فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} تلقينا للملائكة ما يثبتونهم به، كأنه قال: قولوا لهم قوله {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} أو كأنهم قالوا: كيف نثبتهم؟ فقيل: قولوا لهم قوله {سَأُلْقِي} فالضاربون على هذا هم المؤمنون.

  {ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ١٣ ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ ١٤}

  {ذلِكَ} إشارة إلى ما أصابهم من الضرب والقتل والعقاب العاجل، ومحله الرفع على الابتداء و {بِأَنَّهُمْ} خبره، أى ذلك العقاب وقع عليهم بسبب مشاقتهم. والمشاقة: مشتقة من الشق، لأن كلا المتعاديين في شق خلاف شق صاحبه، وسئلت في المنام عن اشتقاق المعاداة فقلت: لأن هذا في عدوة وذاك في عدوة، كما قيل: المخاصمة والمشاقة، لأن هذا في خصم أى في جانب، وذاك في خصم، وهذا في شق، وذاك في شق. والكاف في {ذلِكَ} لخطاب الرسول #، أو لخطاب كل واحد، وفي {ذلِكُمْ} للكفرة، على طريقة الالتفات. ومحل {ذلِكُمْ} الرفع على ذلكم العقاب، أو العقاب ذلكم {فَذُوقُوهُ} ويجوز أن يكون نصباً على: عليكم ذلكم فذوقوه، كقولك: زيداً فاضربه {وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ} عطف على ذلكم في وجهيه، أو نصب على أن الواو بمعنى مع. والمعنى: ذوقوا هذا العذاب العاجل مع الآجل الذي لكم في الآخرة، فوضع الظاهر موضع الضمير، وقرأ الحسن: وإن للكافرين بالكسر.

  {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ١٥ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ١٦}