(وقعة الجمل)
  بما أمر الله سبحانه حيث يقول: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ}[المائدة: ٤٧] خرجوا من كفرهم إلى ديننا، قالوا: صدقت وهذه بحجتنا هذه. وأمّا قولكم: إني كنت وصيا فضيّعت الوصية، فإن الله تعالى قال في كتابه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران: ٩٧] ولو ترك الحج من استطاع إليه سبيلا كفر ولم يكن البيت ليكفر، ولو تركه الناس لا يأتونه، ولكن كان يكفر من يستطيع إليه السبيل ولا يأتيه، وكذلك أنا إن أكن وصيّا فأنتم كفرتم لا أنا كفرت بكم وبما تركتموني قالوا: صدقت وهذه بحجتنا هذه.
  وأمّا قولكم: إن ابن عباس جاء يرفل في حلّة حسنة يدعوكم إلى ما ندعوكم إليه، فقد رأيت أحسن منها على رسول الله ÷ يوم حرب.
  فرجع إليه من الخوارج أكثر من أربعة آلاف، وثبت على قتاله أربعة آلاف، وأقبلوا يحكمون، فقال علي #: حكم الله أنتظر فيكم. يا هؤلاء أيكم قتل خباب بن الأرت وزوجته وابنه يظهر لي أقتله بهم، وانصرف عهدا إلى مدة حكم الله أنتظر فيكم؟ فنادوا: اللهم كلّنا قتل خبابا وزوجته وابنه واشترك في دمائهم.
  فناداهم أمير المؤمنين #: أظهروا لي كتابا وشافهوني بذلك فإني أكره أن يقرّ به بعضكم في الضوضاء ولا يقرّ بعض، ولا أعرف ذلك في الضوضاء، ولا استحل قتل من لم يقر بقتل من أقرّ، لكم الأمان حتى ترجعوا إلى مراكزكم كما كنتم، ففعلوا وجعلوا كلما جاء كتيبة سألهم عن ذلك، فإذا أقرّوا عزلهم ذات اليمين حتى أتى على آخرهم، ثم قال: ارجعوا إلى مراكزكم، فلما رجعوا ناداهم ثلاث مرات رجعتم كما كنتم قبل الأمان من صفوفكم، فنادوا كلهم نعم. فالتفت إلى الناس فقال: الله أكبر لو أقرّ بقتلهم أهل الدنيا وأقدر على قتلهم لقتلتهم، ثم شدّ عليهم مرة بعد مرة، يرجع بسيفه يسويه على ركبتيه من اعوجاجه. ثم شدّ