الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية،

حميد بن أحمد المحلي (المتوفى: 652 هـ)

ومن كتاب نهج البلاغة:

صفحة 110 - الجزء 1

  أسدادها، واستفاض عيونها، وخد أوديتها، فلم يهن ما بناه، ولا ضعف ما قوّاه. هو الظاهر⁣(⁣١) عليه بسلطانه وعظمته، وهو الباطن لها بعلمه ومعرفته، والعالي على كل شيء منها بجلاله وعزته، لا يعجزه شيء منها طلبه، ولا يمتنع عليه فيغلبه، ولا يفوته السريع منها فيسبقه، ولا يحتاج إلى ذي مال فيرزقه، خضعت الأشياء له فذلت مستكينة لعظمته، لا تستطيع الهرب من سلطانه إلى غيره فتمتنع من نفعه ولا ضره، ولا كفو له فيكافيه، ولا نظير له فيساويه، وهو المفني لها بعد وجودها، حتى يصير موجودها كمفقودها. وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها واختراعها، فكيف لو اجتمع جميع حيوانها: من طيرها وبهائمها، وما كان من مراحها وسائمها، وأصناف أسناخها وأجناسها، ومتبلّدات أممها وأكياسها، على إحداث بعوضة ما قدرت على إحداثها، ولا عرفت كيف السبيل إلى إيجادها، ولتحيرت عقولها في علم ذلك وتاهت، وعجزت قواها وتناهت، ورجعت خاسئة حسيرة، عارفة بأنها مقهورة، مقرة بالعجز عن إنشائها، مذعنة بالضعف عن إفنائها، وأنه سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده، لا شيء معه كما كان قبل ابتدائها، كذلك يكون بعد فنائها، بلا وقت ولامكان، ولا حين ولا زمان، عدمت عند ذلك الآجال والأوقات، وزالت السنون والساعات، فلا شيء إلا الواحد القهار، الذي إليه مصير جميع الأمور، بلا قدرة منها على ابتداء خلقها، وبغير امتناع منها كان فناؤها، ولو قدرت على الامتناع لدام بقاؤها، لم يتكأده صنع شيء منها إذ صنعه، ولم يؤده منها خلق ما برأه وخلقه، ولم يكوّنها لتشديد سلطان، ولا لخوف من زوال ونقصان، ولا للاستعانة بها على ندّ مكاثر، ولا للاحتراز بها عن ضد مثوار⁣(⁣٢)،


(١) في (أ): وهو القاهر.

(٢) المثوار: المواثب المهاجم.