ومن كلام له #
  ألا وإن الحق مطايا ذلل ركبها أهلها وأعطوا أزمتها فسارت بهم الهوينا حتى أتت ظلا ظليلا، فعليكم بالحق فاسلكوا سبله، واعملوا به تكونوا من أهله، ألا وإنه من خاف حذر، ومن حذر جانب السيئات، ألا وإنه من خاف السيئات أدلج إلى الخيرات في السّرى، ومن أراد سفرا أعدّ له زادا، فأعدوا الزاد ليوم المعاد، واعملوا لجزاء باق، فإني والله لم أر كالجنة نام طالبها، ولم أر كالنار نام هاربها(١).
  وروينا أن أمير المؤمنين # شيع جنازة، فلما وضع الميت في لحده عج أهله وبكوا، فقام أمير المؤمنين # فقال - وهو قائم على قدميه على من تبكون؟ أما والله لو عاينتم ما عاين ميتكم، لأذهلتكم معاينتكم عن البكاء، ثم قال:
  الحمد لله أحمده وأستعينه، وأومن به وأتوكل عليه، واستهدي الله الهدى وأعوذ بالله من الضلالة والردى، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلّى اللّه عليه وعلى أهل بيته الطاهرين، أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ضرب لكم الأمثال، ووقّت لكم الآجال، وجعل لكم أسماعا، لتعي ما عناها، وأبصارا لتجلوا عن عشاها، وأفئدة لتفهم ما دهاها في تركيب صورها، ومدة عمرها، فإن الله لم يخلقكم عبثا، ولم يهملكم سدى، ولم يضرب عنكم الذكر صفحا، بل أكرمكم بالنعم السوابغ، وأرفدكم بالرفد الروافد، وأحاط بكم الإحصاء، وأرصد لكم الجزاء في السراء والضراء، فاتقوا الله عباد الله، وأجدّوا في الطلب، ونجاة الهرب، وبادروا بالعمل قبل منقطع النهدات، وهادم اللذات، فإن الدنيا لا يدوم نعيمها، ولا تؤمن فجعاتها، ولا تتوقى سوءاتها، غرور حائل، وشح قاتل، وسناد مائل، تضيء مستطرفها، وتردي مستزيدها، تخيّل مصرعها، وتصرم حبالها، فاتعظوا عباد الله بالعبر، واعتبروا بالأثر، وازدجروا بالنذر،
(١) الأمالي ١٨٩.