ومن كلام له #
  حل بكم طالب المنية، وضمّنتم بيت التراب، ودهمتكم الساعة بنفخة الصور، وبعثرة القبور، وسياقة المحشر إلى الحساب بإحاطة قدرة الجبار، كل نفس معها سائق وشهيد يسوقها لمحشرها، وشاهد يشهد عليها بعملها: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}[٦٩: الزمر]، فارتجّت الأرض لنداء المنادي، وكشف عن ساق، وكان يوم التلاق، فكورت الشمس، وحشرت الوحوش، وارتجت الأفئدة، ونزل بأهل النار من الله سطوة مجتاحة، وعقوبة متاحة، وقرّبت الجحيم لها كلب ولجب، ولهب ساطع، وتغيظ وتلظ، وزفير ووعيد، تأجج جحيمها، وغلى حميمها، وتوقد سمومها، لا يهرم خالدها، ولا يظعن مقيمها، ولا تقصم كبولها، معهم ملائكة الزجر، يبشرونهم بنزل من حميم، وتصلية جحيم، هم عن الله محجوبون، ولأوليائه مفارقون، وإلى النار منطلقون، حتى إذا أتوا جهنم قالوا:
  {فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ ١٠٠ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ١٠١ فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ١٠٢}[الشعراء] قيل لهم: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ}[الصافات: ٢٤] وجهنم تناديهم، وهي مشرفة عليهم إليّ بأهلي، وعزة ربي لأنتقمن اليوم من أعدائه، ثم يناديهم ملك من الزبانية، ثم يسحبهم حتى يلقيهم في النار على وجوههم، ثم يقول: {وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ}[الحج: ٢٢] ثم أزلفت الجنة للمتقين، مخضرة(١) للناظرين، فيها درجات لا يبيد نعيمها، ولا ييأس ساكنها، أمنوا الموت فصفا لهم ما فيها: {فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى}[محمد: ١٥] مع أزواج مطهرة، وحور عين: {كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ}[الرحمن: ٥٨]، مع حلية وآنية من فضة، ولباس السندس الأخضر، والفواكه الدائمة، تدخل الملائكة عليهم فتقول: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ
(١) في (ب، ج): مخضرة مخضلة.