بيعته # ومدة ظهوره وانتصابه بالأمر
  إلى عبيد الله، وبعث عبيد الله إلى وجوه أهل الكوفة فجمعهم عنده في القصر، فلما سار إليه مسلم، فانتهى إلى باب القصر أشرفوا من فوقه على عشائرهم، فجعلوا يكلمونهم ويردونهم، فجعل أصحاب مسلم يتسللون حتى أمسى في خمسمائة، فلما اختلط الظلام ذهب أولئك أيضا، فلما رأى مسلم أنه قد بقي وحده تردّد في الطرق، فأتى بابا فنزل عليه، فخرجت إليه امرأة، فقال لها:
  اسقيني ماء، فسقته ثم دخلت فمكثت ما شاء الله ثم خرجت فإذا هو على الباب، قالت: يا عبد الله إن مجلسك مجلس ريبة فقم، فقال: أنا مسلم بن عقيل فهل عندك مأوى؟ قالت: نعم ادخل، وكان ابنها مولى لمحمد بن الأشعث، فلما علم به الغلام انطلق فأخبره، فانطلق محمد إلى عبيد الله فأخبره، فبعث عبيد الله عمرو بن حريث المخزومي صاحب شرطته إليه ومعه محمد، فلم يعلم مسلم حتى أحيط بالدار، فلما رأى ذلك مسلم خرج إليهم بسيفه فقاتلهم فأعطاه محمد الأمان فأمكن من يده، فجاء به إلى عبيد الله بن زياد فأمر به فأصعد إلى أعلى القصر فضربت عنقه وألقى جثته إلى الناس، وأمر بهانئ فسحب إلى الكناسة فصلب هناك، وقال شاعرهم(١):
  فإن كنت لا تدرين ما الموت ... فانظري إلى هانئ بالسوق وابن عقيل
  أصابهما أمر الأمير فأصبحا ... أحاديث من يسعى بكل سبيل
  أتركب أسماء الهماليج آمنا ... وقد طلبته مذحج بقتيل(٢)
  وأقبل الحسين # بكتاب مسلم إليه حتى إذا كان بينه وبين القادسية ثلاثة أميال لقيه الحرّ بن يزيد التميمي فقال له: أين تريد؟ قال: أريد هذا المصر، قال له: ارجع فإني لم أدع لك خلفي خيرا أرجوه، فهمّ أن يرجع، وكان معه إخوة مسلم بن عقيل فقالوا: والله لا نرجع حتى نصيب بثأرنا أو نقتل، فقال: لا خير
(١) البداية والنهاية ١٦٥ - ١٦٦.
(٢) البداية والنهاية ٨/ ١٦٩، والكامل لابن الأثير ٣/ ٢٧٤ - ٢٧٥.